SlideShare a Scribd company logo
1 of 293
Download to read offline
ABCDEFG 178 
الكون 
تأليف :د.كارل ساغان 
ترجمة :نافع أيوب لبّس 
مراجعة:محمد كامل عارف 
X¹uJ« ‡ »«oeü«Ë ÊuMH«Ë WUI¦K wMÞu« fK:« U¼—bB¹ W¹dNý WOUIŁ V² WKKÝ 
cab
X¹uJ« ‡ »«oeü«Ë ÊuMH«Ë WUI¦K wMÞu« fK:« U¼—bB¹ W¹dNý WOUIŁ V² WKKÝ 
صدرت السلسلة في يناير ١٩٧٨ بإشراف أحمد مشاري العدواني ١٩٢٣ ـ ١٩٩٠ 
ABCDEFG 
acb 
178 
الكون 
تأليف :د.كارل ساغان 
ترجمة :نافع أيوب لبس 
مراجعة :محمد كامل عارف 
dÐu²√ 
1993
ا واد ا نشورة في هذه السلسلة تعبر عن رأي كاتبها 
ولا تعبر بالضرورة عن رأي اﻟﻤﺠلس
M 
M 
M 
M 
ماذا قيل عن كتاب الكون? ٧ 
مقدمة ١١ 
الفصل الأول: 
شواطيء المحيط الكوني ١٩ 
الفصل الثاني: 
صوت واحد في الترنيمة الكونية ٣٥ 
الفصل الثالث: 
الجنة والجحيم ٥٩ 
الفصل الرابع: 
أغان حزينة للكوكب الأحمر ٨٩ 
الفصل الخامس: 
قصص ا سافرين ١٢٥ 
الفصل السادس: 
السفر في ا كان و الزمان ١٥١ 
الفصل السابع: 
حياة النجوم ١٧٣ 
الفصل الثامن: 
حافة الأبدية ٢٠١ 
الفصل التاسع: 
موسوعة اﻟﻤﺠرات ٢٢٧
M 
M 
M 
M 
الفصل العاشر: 
من يتكام باسم الأرض ? ٢٥١ 
الهوامش ٢٧٩ 
ا Fؤلف في سطور ٢٩١
الكون 
6
ماذا قيل عن كتاب الكون ? 
علـقـت مـجـلـة »ذي كـريـسـتـيـان سـيـانـس The) « 
7 
Christian Science ) على هذا الكتاب بقولها: 
»شهد العالم ذلك ا Fسـلـسـل الـتـلـفـزيـونـي غـيـر 
الـعــادي الــذي بــثــتــه مــعــظــم مــحــطــات الإرســال 
التلفزيونية العامة وأثار اهتـمـام عـشـرات ا Fـلايـ Q 
من ا Fشاهدين ليس بأعاجيب الفضاء فحسب V بل 
بإدراك وفهم أعمق ا Fسائل العلمية ا Fتعلقة بطبيعة 
العالم V وأصله وبالحياة والجنس الـبـشـري. ولـيـس 
كتاب »الكون « لكـارل سـاغـان مـجـرد نـص مـكـتـوب 
للمسلسل التلفزيوني V بل هو قصة كاملة تعبـر فـي 
أغلبها V وبتسلسل زمني دقيق V عن الجهود البشرية 
الكبيرة في الانجاز العلمي. ويعطي هـذا الـكـتـاب V 
القارىء فرصة اكتشاف العالم في العمق.. ويجعل 
من كتابات هـ. ج ويلز وجول فيرن مجرد كلام عادي 
ومبتذل. « 
وعلقت صحيفـة »شـيـكـاغـو تـربـيـون Chicago) « 
Tribune ) Yا يلي: 
»لم oـض سـوى بـضـع سـنـوات.. حـتـى أصـبـح 
ساغان »مستر علم V« أي ذلك الرجل المحترم علـى 
مستوى القاعدة الشعبية الواسعة القادر على الربط 
ب Q مادة الحياة وتاريخها من ناحية واتساع الكون 
والخلود من ناحية ثانية V وهو يفعـل ذلـك بـتـنـاسـق 
وحيوية يقنعانك-وإن مؤقتا على الأقل-بأن شيئا آخر 
لا yكن أن يكون أكثر اثارة أو أكثر أهمية .« 
ماذا قيل عن 
كتاب »الكون ?«
الكون 
وقالت »نيوز داي (News Day) « 
»إن ساغان هو فلكي ينظـر بـعـ Q إلـى الـنـجـوم V وبـأخـرى إلـى الـتـاريـخ V 
وبثالثة هي عقله الى الطبيعة الإنسانية.. ونحـن نـعـجـب بـه كـثـيـرا بـسـبـب 
طموحه ومعرفته الواسعة وأحيانا بسبب روعة أسلوبه في الكتابـة وغـالـبـا 
بسبب ما يثير فينا من ذهول نحو عا Fنا وأنفسنا .« 
أما صحيفة »ذي سان دييغو يونيون The San Diego Union) « ) فقد قالت 
مايلي: 
»عمل رائع في العلم الشعبي V ومشحون بجرعة غير عادية من الخيـال 
والتصور « 
وقالت مجلة »جون باركهام ريفيوز (John Barkham Reviews) « 
»يعرف ساغان oاما كيف يثير خيال القارىء العـادي ويـسـتـحـوذ عـلـى 
اهتمامه من الصفحة الأولى حتى الصـفـحـة الأخـيـرة.. وهـذا هـو الـكـتـاب 
الذي يفتح أذهاننا ويأخذنا معه في أجمل الرحلات V وهو مكتوب بأسلوب 
رائع وموضح الى حد مدهش. 
وعموما فحتى القارىء الذكي يجب أن يقرأ قـصـة سـاغـان عـن الـكـون 
ويهتم بها V ويتعلم منها ويستوعبها بعمق « 
وقالت »ذى أميركان راشناليست (The American Rationalist) « 
»رائع.. وإن بحث ساغان هذا عن الإنسان في الطبيعة خال من الوهم 
والتشاؤم وهو تصور مفحم « 
ولكن ماذا قيل عن مسلسل »الكون « التلفزيوني? 
قالت جامعة ولاية اوهايو الأميركية التي منحت الجائزة السنوية للتفوق 
التلفزيوني: 
شوهد ا Fسلسل الذي استقطب أكـبـر عـدد مـن ا Fـشـاهـديـن فـي تـاريـخ 
العروض التلفزيونية العامة الأميركية V وا Fعروف بـ »الكون « من قبل أكثر من 
مئتي مليون إنسان في أكثر من ست Q بلدا. 
ور ‚ا يكون مسلسل »الكون « الإسهام الأكثر أصالة و oيزا ب Q البرامج 
التلفزيونية التي قدمت خلال السنوات الثلاث ا Fاضية.. فهو متفوق في كل 
مستوياته V وهو يوحي-بالإضافة إلى كونه يقدم ا Fتعة والتعليم والأنباء والإثارة- 
بالاهتمام الكبير بوضوح الفكر والعلم.. وبالاحتـرام الاسـتـثـنـائـي لجـمـهـور 
8
ماذا قيل عن كتاب الكون ? 
9 
ا Fشاهدين. 
إن مسلسل »الكون « هو نصر للدكتور ساغان وللبرامج التلفزيونية العلمية V 
وللشعب الأميركي. 
وقال رئيس تحرير صحيفة »واشنطن بوست (Washington Post) « 
»ان مسلسل « الكون يفي بوعد أنصار التلـفـزيـون الـذيـن كـانـوا يـقـولـون 
دائما: إنه yكن استخدام الأساليب التقنية لإغناء معلومات ا Fشاهدين دون 
إزعاجهم V وبتقد … ا Fزيد من ا Fرح والألعاب لهـم.. وهـو يـعـطـيـك مـقـيـاسـا 
جديدا yكنك أن تحكم بوساطته على سائر البرامج التلفزيونية. 
وكذلك قال مانح جائزة جورج فوستر بيبودي للبرامج التلفزيونية ا Fتفوقة 
ما يلي: 
»مثير للاهتمام والفضول والبهجة.. وهو-أي مسلسل »الكون «- yثل نجاحا 
فوريا لأولئك الذين يتطلعون إلى الجودة الحقيقية في التلفزيون .« 
ويقول آخرون عن هذا الكتاب ما يلي: 
الناشر: هذا الكتاب هو الأكثـر مـبـيـعـا فـي ١٢ بلدا. بيعت مـنـه خـمـسـة 
ملاي Q نسخة فـي ٨٠ دولة V وهو الأكثر مبيعـاً أيضا ب Q كل الكتب العلمـيـة 
التي نشرت حتى الآن باللغة الإنكليزية V وبقي الكتاب الأكثر مبيعـا Fـدة ٧٠ 
أسبوعا في لائحة الكتب الأكثر مبيعا في صحيفة »نيويورك تا yز .« 
- قسم مراجعة الكتب في صحيفة »نيويورك تا yز «: كتاب جذاب واسع 
الخيال مشوق للقراءة ومتنوع. 
صحيفة »ميامي هيرالد (Miami Herald): « 
»مثير للإعجاب في مجالات أبحاثه وفي اقتراحاتـه وهـو يـدفـعـنـا إلـى 
الدهشة.. ونحن نشك فيما اذا كان أي إنسان قادرا على أن يفك نفسه من 
براثن هذا الكتاب في اللحظة التي يقع فيها عليه V وبالتالي لا يبقى له خيار 
سوى الاستسلام. 
- ا Fسؤول عن الرد على الشكاوي في كليفلاند: كتاب »الكون « هو اشبه 
ما يكون ‚نهج دراسي علمي في كلية ما V كان بودك أن تدرسه ولكنـك لـم 
تستطع ايجاد الأستاذ الذي yكنه أن يعلمك إياه V انه رائع V فساغان يكتب 
بأسلوب جميل.. يتسم بالحماس والعاطفة ويكاد يلامس كل جوانب ا Fعرفة 
الإنسانية V وهو كتاب رائع جدا في دقته وواقعيته.
الكون 
10
مقدمة 
كانت أغلب الأحداث الدنيوية في أحاديث الناس 
وعاداتهم في الأزمنة القد yة مرتبـطـة بـالأحـداث 
الكونية الكبيرة V ولعل ا Fثال ا Fثير فـي هـذا اﻟﻤﺠـال 
هو التعويذ V ضد الدودة التـي كـان الآشـوريـون فـي 
عام ألف قبـل ا Fـيـلاد يـرون فـيـهـا سـبـب الألـم فـي 
الأسنان. تبدأ التعويذة من نشوء الكون وتختتم بعلاج 
ألم الأسنان. 
11 
فبعد أن خلق آنو ( Anu ) السماء V 
وخلقت السماء الأرض V 
وخلقت الأرض الأنهار V 
وخلقت الأنهار الأقنية V 
وخلقت الأقنية V ا Fستنقعات V 
وخلقت ا Fستنقعات الدودة V 
ذهبت الدودة باكية إلى شاماس V 
وانهالت دموعها أمام أيا قائلة: 
»ماذا ستقدم إليّ من غذاء? V 
وماذا ستقدم إليّ من شراب .?« 
»سأعطيك الت Q اﻟﻤﺠفف وا Fشمش .« 
»ماذا تعني لي هذه الأشياء V 
الت Q اﻟﻤﺠفف وا Fشمش?! « 
ارفعني ودعنى أعش ب Q الأسنان وعلى اللثة!.. 
لأنك كنت قد قلت: أيتها الدودة V 
فليعضك »ايا « بقوة يده! V 
(تعويذة ضد ألم الأسنان) V 
مقدمة
الكون 
وعلاجك هو: الجعة من الدرجة الثانية.. 
والزيت الذي oزجينه معها V 
وتقرئ Q التعويذة ثلاث مرات V 
ثم تضع Q الدواء على الأسنان. 
كان أسلافنا متشوق Q إلى فهم العالم ولكنهم لم يعثروا على الطريـقـة 
وتخيلوه عا Fا صغيرا طريفا ومنسقا تتألف القوى القاهرة فيه من آلهة مثل 
آنووايا وشاماش. وفي هذا العالم أدى البشر دورا مهما ان لم يكن رئيـسـا 
وكانت معالجة ألم الأسنان بجعة من الدرجة الثانية مرتبطة بأعمق الأسرار 
الكونية. 
أما الآن فقد اكتشفنا طريقة فعالة ورائعة لفهم العالم وهي العلم الذي 
كشف لنا عا Fا مغرقا في القدم وواسعا لدرجة بدت معها الشؤون الإنسانية 
للوهلة الأولى ذات أهمية قليلة V فقد ابتعدنا في نشأتنا عن الكون الذي بدأ 
بدوره بعيدا جدا وغير مرتبط باهتماماتنا اليومية V ولكن العلم اكتشف ان 
العالم لا يتسم فحسب بالعظـمـة ا Fـذهـلـة أو بـإمـكـان فـهـم الإنـسـان لـه بـل 
اكتشف أيضا أننا نشكل V ‚عنى حقيقي عميق V جزءا من هذا الكون الذي 
ولدنا منه ويرتبط مصيرنا به بشكل عميق فأكبر الأحداث الإنسانية وأقلها 
أهمية هي ذات جذور مرتبطة بالعالم وكيفية نشوئه وهذا الكتاب مـكـرس 
لاكتشاف هذا الأفق الكوني. 
كنت في صيف عام ١٩٧٦ وخريفه-بوصفي عضوا في فريق مركبة التصوير 
(فايكنغ) ا Fعدة للذهاب إلى ا Fريخ-قد انهمكت V مع مئة من زملائي العلمي Q 
في اكتشاف هذا الكوكب واستطعنا آنذاك لأول مرة في تاريخ الإنسان أن 
نرسي مركبت Q فضائيت Q على سطح عالم آخر. كانت النتائج التي ستوصف 
بتفصيل أكثر في الفصل الخامس من هذا الكتاب رائعة V والأهمية التاريخية 
لهذه ا Fهمة واضحة oاما. ومع ذلك لم يكن الرأي العام يعلم شيئا عن هذه 
الأحداث العظيمة V فالصحافة لم تعرها اهتماما كافيا وتجاهل التلفـزيـون 
ا Fهمة كلها تقريبا. وعنـدمـا اتـضـح أنـه لا يـوجـد جـواب حـاسـم عـن وجـود 
الحياة على ا Fريخ تضاءل الاهتمام أكثر V اذ لم يكن هناك تقبل كاف للغموض 
وعندما وجدنا أن سماء ا Fريخ oيل إلى اللون الأصـفـر الـوردي خـلافـا Fـا 
أعلن سابقا عن لونه الأزرق هللت جوقة مرحة من الصحفي Q اﻟﻤﺠـتـمـعـ Q 
12
مقدمة 
الذين ارادوا أن يكون ا Fريخ حتي في هذا اﻟﻤﺠال مشابها للأرض V واعتقد 
هؤلاء أن قراءهم سيكونون أقل اهتماما اذا ماعرفوا أن ا Fريخ أقـل شـبـهـا 
بالأرض. وبرغم ذلك فان ا Fناظر الطبيعية في ا Fريخ كانت مـذهـلـة. وكـان 
افقه ساحرا V وكنت متأكدا في ضوء خبرتي الشخصية من أن هناك اهتماما 
عا Fيا كبيرا باكتشاف الكواكب. وبالكثير من ا Fواضيع الـعـلـمـيـة ا Fـشـابـهـة V 
كأصل الحياة والأرض والكون والبحث عن كائنات عاقلة خارج كرتنا الأرضية 
وروابطنا بالكون وكنت متأكدا أيضا أن هذا الاهتمام yـكـن أن يـثـار بـقـوة 
عبر تلك الوسيلة الأكثر فعالية من ب Q وساثل الإعلام V وأعني بها التلفزيون. 
كان يشاطرني هذا الشعور رجل يتمتع بقدرات تنظيمية غير عادية V هو 
ب. جنتري لي ( B.Gentry Lee ) مدير تخطيط ا Fهام وتحليل معطيات مركبة 
فايكينغ الفضائية وقررنا نحن الاثنان بجرأة أن نفعل شيئا ما بـشـأن هـذه 
ا Fشكلة. فاقترح »لي « أن نكوّن شركة انتاج تكرس جهودها لنقل العلم إلـى 
الناس بطرقة مشوقة وسهلة وفي الأشهر القليلة التي تلت ذلك عرض علينا 
عدد من ا Fشاريع ولكن أهمها كان استبيانا أشرفت عليه مؤسسة الإذاعـة 
العامة ( Kcet ) في لوس أنجليس. وفي نهاية ا Fطاف اتفقنا معا علـى إنـتـاج 
مسلسل تلفزيـونـي مـن ( ١٣ ) حلقة يكون ذا توجه فلكي V ولكـن يـشـمـل أفـقـا 
إنسانيا واسعا جداً. كان الهدف من هذا ا Fسلسل هو أن يتوجه إلى الجمهور 
الواسع من ا Fشاهدين V وأن يكون مذهلا ‚شاهـده ومـوسـيـقـاه ويـسـتـحـوذ 
على القلوب والعقول معا. وتكلمنا إلى كتاب السيناريو واستأجرنـا اﻟﻤﺨـرج 
ا Fنفذ V لنجد أنفسنا في خضم مشروع yتد العمل فيه ثلاث سنوات ويعرف 
‚شروع أو مسلسل »الكون « وقد بلغ عدد مشاهدي هذا الـبـرنـامـج V حـتـى 
ساعة كتابة هذا الكتاب أكثر من مئتي مليون إنـسـان أو مـا يـعـادل ٥ با Fئـة 
تقريبا من مجموع سكان الـكـرة الأرضـيـة. وقـد ارتـكـز هـذا ا Fـشـروع عـلـى 
الإ yان بالافتراض القائل ان الجمهور أكثر ذكاء إلى حد بعيد ™ا اعتقـد 
في السابق V وأن أعمق ا Fسائل العلمية ا Fتعلقة بطبيعة العالم وأصله تـثـيـر 
اهتمامات وانفعالات أعداد كبيرة جدا من الناس.. والواقع أن العصر الراهن 
هو مفترق طرق هام أمام حضارتنا ور ‚ا أمام نوعنا البشري. ومهما كـان 
الطريق الذي سنختاره فإن مصيرنا مرتبط بالعلم. ومن هنا فمن الضروري 
أن نفهم العلم باعتبـاره أمـراً يتوقف عليه بقاؤنا. وفضلا عن ذلك فـالـعـلـم 
13
الكون 
متعة V وقد شاء لنا التطور أن نجد متعة في الفهـم إذ إن مـن يـفـهـمـون هـم 
الأكثر قدرة على البقاء. وهكذا فان مسلسل »الكون « التلفزيوني وهذا الكتاب 
yثلان تجربة زاخرة بالأمل في مجال نقل أفكار العلم وطرائقه ومتعه. 
لقد تطور الكتاب وا Fسلسل التلفزيوني معا V و ‚عنى ما V فان كلا منهما 
يعتمد على الآخر. فالعديد من التفسيرات في هـذا الـكـتـاب يـعـتـمـد عـلـى 
ا Fشاهد ا Fذهلة التي حضرت مـن أجـل ا Fـسـلـسـل. ولـكـن لـكـل مـن الـكـتـب 
وا Fسلسلات التلفزيونية جمهور يختلف إلى حد ما عن جمهور الآخر V كما 
أن لكل منها أساليبه اﻟﻤﺨتلفة عن الآخر. وإحدى ا Fزايا الكبرى للكتاب هي 
أنه yكن للقارىء أن يعود مرارا إلى النقاط ا Fبهمة أو الصعبة V وهذه ميزة 
لم تبدأ في التوافر للتلفزيون إلا في الوقت الراهن بوجود أجهزة الفيـديـو 
وتكنولوجيا تسجيل البرامج على أشـرطـة أو أسـطـوانـات. كـمـا أن الحـريـة 
التي يتمتع بها ا Fؤلف في اختيار مدى ا Fوضوعات. وعمقها في أحد فصول 
الكتاب V أكبر بكثير ™ا هو متاح في حلقات التلفزيون غير التجارية الـتـي 
يتقيد ا Fرء فيها بزمن لايتجاوز ٥٨ دقيقة و ٣٠ ثانية لذلك فإن هذا الكتاب 
يتعمق في العديد من ا Fواضيع بدرجة أكبر ™ا تفعله ا Fسلسلات التلفزيونية. 
هناك مواضيع نوقشت فيه ولم تعالج في ا Fسلسل التـلـفـزيـونـي V والـعـكـس 
صحيح أيضا. وعلى سبيل ا Fثال فإن العرض الواضح للتقو … الكوني الذي 
تضمنه ا Fسلسل التلفزيوني V لا يظهر هنا لأسباب تعود في جزء منهـا إلـى 
أنني ناقشت موضوع هذا التقو … في كتابي »تنان Q (جمع تن Q) عدن The) « 
Dragons Of Eden ) وفـي ا Fـقـابـل فـانـا لا أنـاقـش هـنـا حـيـاة روبـرت غـودارد 
بالتفصيل لانه يوجد فصل كـامـل عـنـه فـي كـتـابـب »دمـاغ بـروكـا Broca‘s) « 
Brain ). ولكن كل حلقة في ا Fسلسل التلفـزيـونـي تـنـاظـر بـقـدر مـعـقـول مـن 
الدقة الفصل ا Fقابل لها في الكتاب V واني لأ oنى أن تتضاعف ا Fتعة التي 
يجدها ا Fرء في أحدهما بالرجوع إلى الآخر. 
ومن أجل الوضوح فقد كررت الفكرة الواحدة في عدد من الحالات غير 
مرة V مفسرا اياها قليلا في ا Fرة الأولى ومتعمقا أكثر في ا Fرات الأخـرى. 
حدث ذلك على سبيل ا Fثال في التعريف با Fوضوعات الكونية في الفصـل 
الأول والتي أعيد تدقيقها بالتفصيل فيما بعد V أو في مناقـشـة الـتـحـولات 
الاحيائية والانز yات والأحماض النووية في الفصل الـثـانـي. وفـي حـالات 
14
مقدمة 
15 
قليلة قدمت بعض ا Fفاهيم حسب تسلسلها التاريخي. 
و ‚ا أن العلم لا yكن فصله عن سائر الجهـود الإنـسـانـيـة V فـلا yـكـن 
مناقشته دون التطرق V بشكل عابر أحيانا V وأحيانا أخرى بتمعن أكبر V إلى 
عدد من القضايا الاجتماعية والسياسية والدينية والفلسفية. وحتى عندما 
كنا نصور حلقات تلفزيونية Fسلسل علـمـي V فـإن الاهـتـمـام الـعـا Fـي الـبـالـغ 
بالنشاط الحربى قد فرض نفسه بقوة V فعلى سبيل ا Fثال V عندما كنا نقوم 
بتصوير فيلم عن اكتشاف كوكب ا Fريخ في صحراء موهاف Mohave Desert 
التي تشبه طبيعتها طبيعة كوكب ا Fريخ V مستخدم Q œوذجا ™اثلا Fركبة 
فايكينغ V فقد كان السلاح الجوي الأميركي يتدخل مـرارا فـي عـمـلـنـا وهـو 
يتدرب على قصف موقع قريب. وفي مدينة الأسكندرية ‚صر كان فندقنا 
يتعرض لطلعات قصف تدريبي تقوم بها طائرات القوة الجوية ا Fصرية. أما 
في ساموس باليونان فقد سحب الإذن بالـتـصـويـر فـي كـل الأمـاكـن وحـتـى 
اللحظة الأخيرة بسبب مناورات حلف الناتو ومـا كـان يـتـصـل بـهـا كـمـا هـو 
واضح من أعمال انشائية شملت مواقع ا Fدفعية والدبابات تحت الأرض أو 
في التلال. وفي تشيكوسلوفاكيا أثارت الأجهزة اللاسلـكـيـة الـيـدويـة الـتـي 
استخدمناها لتنظيم مواقع التصوير في طريق ريفي انتباه إحدى مقاتلات 
القوة الجوية التشيكوسلوفاكية V فحومت فوق رؤوسنا ولم تنصرف إلا بعد 
أن أكدنا للطيار أننا لا نشكل أي تهديد للأمن القومي لبلاده. وكان رجـال 
أجهزة الأمن في كل من اليونان ومصر وتشيكوسلوفاكيا يرافقون مصوري 
فيلمنا أينما ذهبوا. ولم تلق الترحيب الاستـقـصـاءات الأولـيـة عـن تـصـويـر 
حياة رائد علم الفضاء الروسي كونستانت Q تسيـولـكـوفـسـكـي فـي مـسـقـط 
رأسه في كالوغا لأن محاكمات ا Fنشق Q كانت ستجرى في تلك البلدة V علما 
أننا لم نعرف ذلك إلا في وقت لاحق وعلى رغم ذلك فقد لقـي مـصـورونـا 
ترحيبا في كل بلد زرناه مع أن الوجود العسكري في كل مكـان مـن الـعـالـم 
والخوف ا Fستوطن في قلوب الشعوب كانا يشكـلان حـاجـزا أمـامـنـا ايـنـمـا 
توجهنا. وقد عززت التجربة عزمي على التعامل كلما كان ذلك ملائما مـع 
ا Fسائل الاجتماعية سواء في ا Fسلسل أو الكتاب. 
ولأن العلم عملية مستمرة لا تنتهي أبدا وليست هناك أي حقيقة نهائية 
yكن أن تنجز ثم يستطيع العلماء بعدها أن يحطـوا الـرحـال ويـسـتـريـحـوا
الكون 
فالعالم أكثر امتاعا سواء بالنسبة للعلماء أو Fلاي Q الناس الذيـن يـهـتـمـون 
بعمق V وإن لم يكونوا علماء محترف Q بطرائق العلم واكتشافاته. وهكذا فإذ 
لا يوجد الا القليل ™ا تقادم عليه الزمن في كتاب »الكون « منذ أن ظهرت 
طبعته الأولى نجد أنه أصبح هناك الكثير من الاكتشافات الجديدة الهامة. 
فا Fركبتان الفضائيتان »فواياجير- » «١ وفواياجير- «٢ التقتا بكوكب زحـل 
واكتشفتا الكثير من الأشياء ا Fذهلة عنه V وعن نظام الحلقات الهش المحيط 
به وعن ذلك الحشد الكبير من الأقمار الدائرة حـولـه ولـعـل أكـثـرهـا إثـارة 
للاهتمام هو تيتان الذي يعرف عنه الآن أن الجو المحيط به أشبه ما يكون 
بجو الأرض في بداية تشكله فهو عبارة عن طـبـقـة مـن الـضـبـاب الـكـثـيـف 
مؤلفـة مـن جـزيـئـات عـضـويـة مـعـقـدة V ور ‚ـا يـغـطـي سـطـحـه مـحـيـط مـن 
الهيدروكربونات السائلة.. وجرت أخيرا مراقبة حلقات الحـطـام المحـيـطـة 
بالنجوم الفتية (حديثة النشوء) وقد تكون هذه الحلقات في مرحلة التجمع 
والاندماج التي تنتهي إلى تشكل كواكب جديدة V الأمر الذي يوحـي بـوجـود 
عدد كبير جدا من هذه الكواكب ب Q نجوم مجرة درب اللـبـانـة( ×). وعموما 
فقد وجد أن الحياة تنشأ بشكل غير متوقع في مركبات الكبريت في الفجوات 
ذات الحرارة ا Fرتفعة جدا في قاع محيطات كرتنا الأرضية. وتجمعت دلائل 
جديدة توحي أن ا Fذنبات تدفع دوريا بعض محتوياتها بشكل رذاذ إلى داخل 
النظام الشمسي ™ا يؤدي إلى انقراض الكثير من أنواع الكـائـنـات الحـيـة 
على الأرض وكذلك اكتشف أن مناطق كبيرة في الفضاء الفاصل ب Q اﻟﻤﺠرات 
اختفت وانضمت غالبا إلى هذه اﻟﻤﺠرات وقد رئي أيضا أن مكونات جديدة 
وهامة من الكون تندفع بسرعة إلى مصيرها النهائي. 
وتستمر مسيرة الاكتشافـات فـمـركـبـات الـفـضـاء الـيـابـانـيـة والأوروبـيـة 
والسوفيتية سوف تلتقي( ٢× ). ‚ذنب هالي في عام ١٩٨٦ . وسوف يطلق إلى 
الفضاء قبل نهاية هذا العقد (حدث ذلك) التلسكوب الفضائـي الأمـيـركـي 
(ا Fنظار ا Fقرب أو ا Fقراب) علما أنه يعد أكـبـر مـرصـد يـدور حـول الأرض 
حتى الآن وكذلك ستتاح فرص هامة لإرسـال بـعـثـات فـضـائـيـة إلـى ا Fـريـخ 
وا Fذنبات الأخرى والكويكبات ا Fوجودة ب Q ا Fريخ وا Fشترى V ولا سيما إلى 
القمر تيتان الذي يدور حول زحل. ثم أن مركبة الفضاء الأميركية غاليليو 
Galileo) ) التي ستصل إلى كوكب ا Fشتري في عام ١٩٨٨ (وصلت فعلا) معدة 
16
مقدمة 
لإسقاط أول مسبار يدخل إلى جو هذا الكوكب العملاق. ولكن هناك الجانب 
ا Fظلم أيضا Fسيرة الاكتشافات العلمية V فالأبحاث الحديثة تشير إلى أن ما 
ينتج من الحرب النووية من سخام وغـبـار سـوف يـرتـفـع فـي الجـو مـسـبـب 
الظلام والتجمد على الأرض ومؤديا إلى كارثة لا مثيل لها من قبل حتى في 
الدول التي لن تتعرض لقنبلة واحدة. وعموما فان التكنولوجيا التي أصبحت 
بحوزتنا تسمح لنا باطراد بكشف أعاجيب الكون V ولكنها تعمل في الـوقـت 
ذاته على تحويل الأرض إلى حالة الاختلاط أو التشوش الكامل التي يفترض 
أنها كانت تسود فيها قبل تكونها. اننا نتمتع بامتياز العيش على هذه الأرض 
وإذا ساعدنا الحظ فسوف نؤثر في واحدة من أحرج مراحل تاريخ الجنس 
البشري. 
يستحيل علي في هذا ا Fشروع الضخـم أن أشـكـر كـل مـن سـاهـم فـيـه V 
ومهما يكن من أمر فإني أود أن أوجه الشكر بشكل خاص إلى ب. جنتري 
لي والذين عملوا في انتاج مسلسل »الكون « ‚ن فيهم ا Fنـتـجـان الـكـبـيـران 
جيوفري هاينز-ستايلز ودافيد كينارد وا Fنتج ا Fنفذ إدريان مالون والفنانون 
جون لومبرغ (الذي أدى دورا حساسا في تصميم وتنظيم ا Fشاهد الخارجية 
Fسلسل الكون) وجون أليسون وأدولف تشالر ودونالد غولد سمـيـث وأويـن 
جينجريـتـش وبـول فـوكـس وديـان أكـرمـان وكـامـيـرون بـيـك وإدارة مـؤسـسـة 
KCET) ). كما أخص بالشكر غريك اندورفر الذي كان أول من حمل اقتراح 
هذه ا Fؤسسة الينا »وشاك آلن « ووليام لامب وجيمس لوبر ومتعهدي مسلسل 
»الكون « ومنتجيه وشركة ريتشفيلد الأطلسية وهيئة الإذاعة العامة ومؤسسات 
ارتر فاينينغ ديفيس ومؤسسة الفرد ب. سلون وهيئة الإذاعة الـبـريـطـانـيـة 
ومؤسسة بوليتل الدولية. أما الآخرون الذين ساعدوا في القاء الضوء على 
الحقائق وطرائق اثباتها فقد سجلت اسماؤهم في احدى الصفحات الأخيرة 
من هذا الكتاب. ولكني اتحمل وحدي ا Fسؤولية النهائية عن مضمون هذا 
الكتاب. 
واشكر أيضا العامل Q في راندوم هاوس ولا سيما المحررة آن فريدغود 
على عملهم الدؤوب وصبرهم في تلك الأوقات التي ظهر فيها التعارض ب Q 
مواعيد انجاز العمل في ا Fسلسل التلفزيوني والكتاب ثم انني مدين بالشكر 
لـ شيرلي آردن مساعدتي ا Fنفذة على طبعها ا Fسودات الأولى لهذا الكتاب 
17
الكون 
على الآلة الكاتبة وعلى اشرافها على النماذج ا Fطبوعة خلال مراحل إنتاجه 
كلها V مستخدمة في ذلك كل مهاراتها ا Fعهودة وتلك هي واحـدة فـقـط مـن 
الطرائق الكثيرة التي استخدمتها في انجاز مشروع »الكون .« 
ور ‚ا لا استطيع أن أعبر عن شكري لإدارة جامعة كورنل التي منحتني 
إجازة سنت Q ونصف السنة Fلاحقة هذا العمـل ولـزمـلائـي وطـلابـي فـيـهـا 
ولزملائي في وكالة الفضاء الأميركية وفي »مختبر الدفع النفاث JPL « وفي 
فريق مركبات »فواياجير .« 
وأخيرا فأنا مدين جدا في كتابة »الكون « لـ آن درويان وستـيـفـن سـوتـر 
اللذين ساعداني في كتابة ا Fسلسل التلفزيوني وقد أسهما بشكل جوهري 
ومتكرر في الأفكار الرئيسة وارتباطها بالبيئة الـفـكـريـة الـعـامـة لـلأحـداث 
وفي روعة الأسلوب. 
وإني أشعر بالامتنان الكبير Fا قاما به من قراءة متأنية للنماذج الأولى 
من هذا الكتاب V وما قدماه من اقتراحات بناءة ومبدعة بشأن إعادة النظر 
في العديد من ا Fسودات وتنقيحها. وما أسهما به في تدقيق النص التلفزيوني 
الذي ترك بصماته بأشكال عدة على هذا الكتاب. ولعل ا Fتعة التي وجدتها 
في مناقشاتنا العديدة هي إحدى ا Fكافآت الرئيسة التي حصلت عليها من 
مشروع »الكون .« 
18 
إيتاكا ولوس أنجليس 
أيار (مايو) ١٩٨٠ 
و eوز (يوليو) ١٩٨٤
شواطىء المحيط الكونى 
19 
شواطىء المحيط الكوني 
الـكـون هـو كـل مـا هـو مــوجــود ومــا وجــد ومــا 
سيوجد. وان أبـسـط تـأمـل لـنـا فـي الـكـون يـحـرك 
مشاعرنا فتمر قشعريرة في العمود الفقري V ويخفت 
الصوت ويسيطر إحساس بـالـدوار كـمـا فـي تـذكـر 
الأشياء البعيدة V أو السقوط من ارتفاع ما. فنحـن 
نعلم أننا نقترب من أعظم الأسرار. 
إن حجـم الـكـون وعـمـره خـارج إدراك الإنـسـان 
العادي. ففي مكان ما ب Q اتـسـاع الـفـضـاء وخـلـود 
الزمن يضيع كوكبنا ا Fعروف بالأرض V وفي ا Fنظور 
الكوني فإن كل الاهتمامات الإنسانية تبدو غير مهمة 
بـل بـائـسـة ومـع ذلـك فـان جـنـسـنـا الـبـشـري فــتــي 
وفضولي وشجاع وواعد. وفي الفترة الأخيرة ا Fمتدة 
عـدة آلاف مـن الـسـنـ Q اسـتـطـعــنــا أن نــصــل إلــى 
اكتشافات مذهلة وغير متوقعة عن الكون ومكاننـا 
فيه V وهي اكتشافات يبعث تـقـديـرهـا الـبـهـجـة فـي 
النفس. فهي تذكرنا أن الكائنات البشـريـة خـلـقـت 
لكي تفكر V وان الفهم متعة V وا Fعرفة شرط لاستمرار 
الحياة. وعموما فأنا شخصيا أظن أن مسـتـقـبـلـنـا 
يعتمد على مدى معرفتنا بالـكـون الـذي نـعـوم فـيـه 
كذرة غبار في السماء. 
تطلبت هذه الاكتشافات الشـك والخـيـال مـعـا. 
1
الكون 
فالخيال يحملنا غالبا إلى عوالم لم تكن موجودة قط V ولكننا لن نذهب دونه 
إلى أي مكان. أما الشك فيمكننا من التمييز ب Q الزائف والحـقـيـقـي ومـن 
اختبار أفكارنا. والكون غني دون حدود بالحقائق الرائعة والعلاقات ا Fتبادلة 
ا Fتقنة والوسائل الذكية لاكتشاف الأشياء التي تكتنفها الأسرار. 
إن سطح الكرة الأرضية هو شاطئ المحيط الكوني ومنه تعلمنا أغلب ما 
نعرفه Vومؤخرا نزلنا قليلا إلى البحر و ‚ا يكفي لتبليل أصابع أقدامنا فقط V 
أو ر ‚ا وصلت ا Fاء إلى رسغ القدم. ولكن ا Fاء يبدو جذابا V والمحيط يدعونا 
إليه وثمة جزء من كياننا يدرك أننا جئنا من هذا ا Fكان ونحن نشتـاق إلـى 
العودة. 
إن أبعاد الكون هي من الاتساع بحـيـث لا تجـدي مـعـهـا وحـدات قـيـاس 
ا Fسافة العادية كا Fتر والكيلو متر التي تستخدم عادة فـي كـرتـنـا الأرضـيـة 
وعوضا من ذلك فإننا نقيس ا Fسافة بـسـرعـة الـضـوء. فـفـي ثـانـيـة واحـدة 
يقطع شعاع الضوء ١٨٦ ألف ميل أو ٣٠٠ ألف كيلومتر تقريبا V أي يدور حول 
الكرة الأرضية سبع مرات ونصف ا Fرة V وهو يقطع ا Fـسـافـة بـ Q الـشـمـس 
والأرض في ثماني دقائق. 
و yكننا القول إن الشمس تبعد عنا مسافة ثماني دقائق ضوئيـة V وفـي 
سنة واحدة V يقطع الضؤ نحو عشرة تريليونـات (جـمـع تـريـلـيـون وهـو ألـف 
مليار) كيلومتر V أو زهاء ستة تريليونات ميل في الفضاء وهكذا فإن وحـدة 
الطول التي يقطعها الضوء في سنة واحدة V تدعـى سـنـة ضـوئـيـة V وهـي لا 
تقيس الزمن V بل ا Fسافات أو بالأخرى ا Fسافات الكبيرة جدا. 
والكرة الأرضية هي مكان لكنهـا لـيـسـت ا Fـكـان الـوحـيـد بـأي حـال مـن 
الأحوال وليست حتى ا Fـكـان الـنـمـوذجـي. ولا yـكـن لأي كـوكـب أو نجـم أو 
مجرة أن يكون œوذجيا لأن الكون فارغ في معظمه أما ا Fكـان الـنـمـوذجـي 
الوحيد فهو ا Fوجود في الفـراغ الـكـونـي الـبـارد والـواسـع V وهـو ذلـك الـلـيـل 
الأبدي في الفضاء الذي يفصل ب Q اﻟﻤﺠرات وهو مكان بالغ الغرابة ومقفر 
oاما V تبدو الكواكب والنجوم واﻟﻤﺠرات اذا ما قورنت به نادرة جدا ورائعة. 
واذا ما أدخلنا با Fصادفة في هذا الـفـضـاء الـكـونـي فـان احـتـمـال أن نجـد 
أنفسنا على أو قرب كوكب ما سيـكـون أقـل مـن واحـد فـي مـلـيـار تـريـلـيـون 
تريليون ( ١). 
20
شواطىء المحيط الكونى 
أي ٣٣١٠x١ أو الرقم ١ وعن yينه ٣٣ صفرا) وتعتبر هذه الأرقام لا صلة 
21 
لها بحياتنا اليومية. إنها لعوالم مهيبة. 
ولو افترضنا أننا وقفنا عند نقطة عليا تسمح لنا بأوسع أفق للرؤية ب Q 
اﻟﻤﺠرات فسوف نرى أجزاء متناثـرة مـن الـضـوء تـبـدو كـالـزبـد فـوق أمـواج 
الفضاء V وبأعداد لا تحصى V وتلك هي اﻟﻤﺠرات التي يجول بعضها وحيـدا 
أو معزولا بينما يشكل أغلبها عناقيد مجمعة V تتحرك معا مندفعة إلى مالا 
نهاية عبر الظلام الكوني الكبير ونرى أمامنا الكون في أكبر اتساع نعرفه V 
فنحن الآن في عالم الغيم السد yي الذي يبعد عن الأرض ثمانية مليارات 
سنة ضوئية V أي يقع في منتصف ا Fسافة إلى حافة الكون ا Fعروفة حاليا. 
وتتألف اﻟﻤﺠرة من غاز وغبار ونجوم يبلغ عددها مليارات ا Fليارات. وكل 
نجم منها yكن أن يكون شمسا لبعض الناس وتوجد في كـل مـجـرة نجـوم 
وعوالم V ور ‚ا تنتشر فيها أسباب الحياة والكـائـنـات الـذكـيـة والحـضـارات 
التي تسافر عبر الفضاء. ولكن اﻟﻤﺠـرة تـذكـرنـي مـن بـعـيـد ‚ـجـمـوعـة مـن 
الأشياء الرائعة كأصداف البحر V والأحجار ا Fرجانية وعجائب الطبيعة أو 
منتجاتها على مر الدهور في المحيط الكوني. 
يوجد مئة مليـار ( ١١١٠ ) مجرة V وفي كل منها مئة مليار نجم في ا Fعـدل V 
وهكذا يوجد في كل اﻟﻤﺠرات عدد من النجوم يبلغ تقريبا ١١١٠X١١١٠ = V٢٢١٠ 
أو عشرة مليارات تريليون V ومع وجود هذا العدد الكبير جدا من النجوم فلا 
هو احتمال أن يكون لنجم واحد منها وهو الشمس كوكـب مـسـكـون? و Fـاذا 
يجب أن نكون نحن-سكان الكرة الأرضية ا Fوجودين في زاوية مـنـسـيـة مـن 
الكون-على هذا القدر من الحظ? يبدو لي أن ثمة احتـمـالا أكـبـر أن يـكـون 
الكون زاخرا بالحياة ولكننا نحن البشر لا نعرف شيئا عن ذلك حـتـى الآن 
وقد بدأنا توا في اكتشافاتنا من مسافة ثمانية مليارات سنة ضوئية يصعب 
كثيرا أن نجد حتى عنقود أو مجموعة اﻟﻤﺠرات التي تنتمي إليهـا مـجـرتـنـا 
ا Fعروفة بدرب اللبانة ( The Milky Way ) فما بالك اذا أردنا التفتيش من هذه 
ا Fسافة الكبيرة عن الشمس أو عن الأرض. أن الكوكب الوحيد الذي نحن 
متأكدون من كونه مسكونا هو تلك البقعة الصغيرة جدا من الصخور وا Fعادن 
التي تشع بشكل خافت متأثرة بانعكاس ضوء الشمس عليها V والضائعة كليا 
على هذه ا Fسافة..
الكون 
ولكن رحلتنا تأخذنا الآن إلى ما يحب الفلكيون على الأرض أن يدعـوه 
»مجموعة اﻟﻤﺠرات المحلية « وهي oتد إلى بضعة ملاي Q من السن Q الضوئية V 
وتتألف من نحو عشرين مجرة كاملة البنية وهي تـشـكـل عـنـقـودا مـتـنـاثـرا 
ومظلما وبسيطا. تعرف إحدى هذه اﻟﻤﺠرات بـ »م- V«٣١ وترى من الأرض في 
مـجـمـوعـة الأنـدرومـيـدا ( Andromeda ) وهـي تـتـألـف شـأنـهـا شـأن اﻟﻤﺠـرات 
الحلزونية الأخرى من حشد دائري هائل من النـجـوم ومـن الـغـاز والـغـبـار. 
وللمجرة »م- «٣١ تابعان صغيران هما عبارة عن مجرت Q إهليليجت Q صغيرت Q 
نسبيا V ترتبطان بها بوساطة الجاذبية V وذلك حسب القانون الفيزيائي الذي 
yنع سقوطي عن الكرسي الذى أجلس عليه. فقوان Q الطبيعـة هـي ذاتـهـا 
في كل أنحاء الكون وقد أصبحنا الآن على مسافة مليوني سنة ضوئية فقط 
من منزلنا الأرض. 
وراء اﻟﻤﺠرة »م- V«٣١ توجد مجرة أخرى ™اثلة لها وهـي مـجـرتـنـا الـتـي 
تدور أذرعها الحلزونية ببطء و ‚عدل مرة واحدة كل ربع مليار سنة. نحـن 
الآن على مسـافـة ٤٠ ألف سنة ضوئية من منزلنا ونجد أنفـسـنـا فـي حـالـة 
سقوط نحو ا Fركز الكثيف لدرب اللبانة V ولكن إذا رغبنـا فـي الـعـثـور عـلـى 
كرتنا الأرضية فيجب أن نغير مسارنا إلى الضواحي البعيدة ﻟﻤﺠرتنا أي إلى 
تلك ا Fنطقة ا Fظلمة قرب حافة الذراع الحلزونية البعيدة. 
ولكن الانطباع الذي يغمرنا كلية V حتى ونحن ب Q الأذرع الحلزونية مصدره 
ذلك الحشد الهائل من النجوم التي oر بنا وهي تشع ذاتيا ومـنـهـا مـا هـو 
رقيق كفقاعة الصابون لكنه كبير ويستطيع احتواء عـشـرة آلاف شـمـس أو 
تريليون كرة أرضية ومنها ما هو بحجم بلدة صغيرة وأكثف ‚ائة تريلـيـون 
مرة من الرصـاص. ومـنـهـا مـا هـو مـنـعـزل كـالـشـمـس ولأغـلـبـهـا مـرافـقـون 
وا Fنظومات مزدوجة عادة تتألف كل منها من نجم Q يـدور أحـدهـمـا حـول 
الآخر V لكن يوجد تدرج مستمر من ا Fنظومة الثلاثية النجوم حتى العنقـود 
أو اﻟﻤﺠموعة ا Fؤلفة من بضع عشـرات مـن الـنـجـوم وانـتـهـاء بـالـعـنـاقـيـد أو 
اﻟﻤﺠموعات الكروية الضخمة التي يوجد في كل منها مليون شمس ويـكـون 
النجمان في بعض ا Fنظومات ا Fزدوجة قريب Q أحدهما من الآخـر لـدرجـة 
أنهما يكادان يتلامسان وتنتقل مواد كل منهما إلى الآخر. 
ويكون هذان النجمان في أغلب ا Fنظومات ا Fزدوجة منفصل Q كما هـو 
22
شواطىء المحيط الكونى 
كوكب ا Fشتري بالنسبة إلى شمسنا. هناك بعض النجوم كالسوبر نوفـا ( ٢) 
تكون ذات اضاءة تعادل اضاءة كل اﻟﻤﺠرة التي تحتويها كما أن ثمـة نجـومـا 
أخرى هي الثقوب السوداء وهي غير مرئية حتى من مسافـة بـضـعـة كـيـلـو 
مترات. وهناك أيضا بعض النجوم التي تضيء بشكل مستمر V وبعض آخر 
يضيء بومضات تظهر وتختفي بوتيرة منتظمة. وكذلك فبعض النجوم يدور 
بإناقة رائعة V والبعض الآخر يدور بسرعة وبشكل محموم يشوه شكله فيصبح 
مفلطحا أو مسطحا عند القطب Q. وأغلب النجـوم تـنـشـر ضـوءهـا بـصـورة 
رئيسة بشكل موجات مرئية أو تحت الحمراء بينما تكون نجوم أخرى مصادر 
متألقة للأشعة السـيـنـيـة ( X-Rays ) أو ا Fوجات اللاسلكية. وتـكـون الـنـجـوم 
الزرقاء حارة وفتية والنجوم الصفراء تقليدية ومتـوسـطـة الـعـمـر والـنـجـوم 
الحمراء معمرة وتعاني ا Fوت والنجوم الصغيرة البيضاء أو السوداء تعانـي 
الاحتضار أو هي في الرمق الأخير. 
وتحتوي مجرتنا ا Fعروفة »بدرب الـلـبـانـة « عـلـى ٤٠٠ مليار نجم مـن كـل 
الأنواع تتحرك في تناسق معقد ومنتظم. ومـن كـل هـذه الـنـجـوم لا يـعـرف 
سكان كرتنا الأرضية حتى الآن سوى نجم واحد. 
وكل منظومة نجمية هي جزيرة في الفضاء تحجزها عن جيرانها السنوات 
الضوئية. و yكنني تخيل مخلوقات تستنتج نتفا من ا Fعـرفـة عـن عـوالـم لا 
تحصى وكل واحد منها يعتبر أولا كوكبه الضئيل والـشـمـوس الـقـلـيـلـة هـي 
العالم كله. فنحن نكبر في عزلة V ولا نتعلم ما هو الكون فـي مـجـمـوعـه إلا 
ببطء. 
yكن أن تكون بعض النجوم محاطة ‚لاي Q العوالم الصخرية العد yة 
الحياة V وا Fنظومات الكوكبية ا Fتجمدة في مرحلـة مـا مـن تـطـورهـا. ور ‚ـا 
yلك الكثير من النجوم منظومات كوكبية تشبه منظومتنا الشمسية V ففـي 
الأطراف كواكب غازية حلقية كبيرة وأقمار جليديـة وفـي الأمـاكـن الأقـرب 
إلى ا Fركز عوالم صغيرة وحارة وزرقاء يشوبها البياض ومـغـطـاة بـالـغـيـوم. 
وفي بعضها yكن أن تكون قد تطـورت حـيـاة ذكـيـة واعـادت بـنـاء الـسـطـح 
الكوكبي من خلال مشاريع هندسية شاملة. هؤلاء هم أخوتنا في الكون فهل 
هم مختلفون عنا? وما شكلهم? وما تركيبهم الكيماوي وتكوينهم العصـبـي? 
وما عندهم من التاريخ والسياسة والعلم والتكنولوجـيـا والـفـن وا Fـوسـيـقـى 
23
الكون 
والدين والفلسفة?. يوما ما ر ‚ا سنعرفهم. 
وصلنا الآن إلى حديقتنا الخلفية التي تبعد سنة ضوئية عن كرتنا الأرضية 
يحيط شمسنا حشد دائري من كرات ثلجيـة عـمـلاقـة مـؤلـفـة مـن الجـلـيـد 
والصخور والجزيئات العضوية وهي تشكل نوى ا Fذنبات. وب Q الفينة والآخرى 
يشد نجم مار من مكان بعيد بقوة جاذبة ضئيلة إحدى هذه النوى فتنحرف 
مرغمة نحو القسم الداخلي من النظام الشمسي V حيث تسخن بتأثير الشمس 
ويتبخر جليدها ويتشكل منها ذيل مذنب رائع. 
ها نحن نقترب من كواكب منظومتنا الشمسية ونرى عوالم كبيـرة تـقـع 
في أسر الشمس وتجبرها الجاذبية على اتباع مسارات شبه دائرية وتأخذ 
حرارتها بصورة رئيسة من ضوء الشمس فالكوكب بلوتو مغطى بجليد ا Fيتان V 
ويدور حوله قمره العملاق الوحيد تشارون V وهو مضاء بالشمـس الـبـعـيـدة 
التي تبدو مثل نقطة ضوء لامعة في سماء سوداء قا oة. تلى ذلك العوالـم 
الغازية العملاقة وهي نبتون واورانوس وكوكب زحل وهو جوهرة ا Fنظـومـة 
الشمسية وا Fشتري V وهذه كلها محاطة بأقطار متجمدة V وإلى الداخل من 
هذه الكواكب الغازية وجبال الجليد الدائرة حولها تأتي الكواكب الصخرية 
الحارة التي تشكل القسم الداخلي للمنظومة الشمسية. هناك على سبيـل 
ا Fثال الكوكب الأحمر ا Fعروف با Fريخ ذي البراك Q ا Fوجودة على ارتفاعات 
شاهقة والوديان الكبيرة ا Fتصدعة والعواصف الرملية التي تغطي أرجـاءه 
كلها ور ‚ا كان فيه بعض الأشكال البسيطة من الحياة. تدور كل الكـواكـب 
حول الشمس التي هي أقرب نجم الينا وهي جحيم من غازي الهيدروج Q 
والهليوم الداخل Q في تفاعلات نووية حرارية تغـمـر ا Fـنـظـومـة الـشـمـسـيـة 
بالضوء. 
وأخيرا نعود في نهاية تجوالنا إلى عا Fنا الضئيل والهش ذي اللون الأزرق 
ا Fتداخل مع الأبيض والضائع فـي مـحـيـط كـونـي ذي اتـسـاع يـفـوق أقـصـى 
تخيلاتنا. انه عالم من ب Q عوالم هائلة أخرى V وقد لا يبـدو كـبـيـرا إلا فـي 
نظرنا V وعموما فان كوكب الأرض هو بيتنا وبيت آبائنا وعلى سطحه نـشـأ 
جنسنا البشري وتطور. وفي هذا العالم أنشأنا ولعنا فـي اكـتـشـاف الـكـون 
وفيه أيضا نضع قدرنا بشيء من الألم ودون أي ضمانات. 
أهلا بكم في كوكب الأرض ذلك ا Fكان الذي تغطيه سماء الآزوت الزرقاء 
24
شواطىء المحيط الكونى 
ومحيطات ا Fاء السائل والغابات الباردة وا Fروج الناعمة V ذلك العالم الذي 
يزخر بالحياة. وهو في ا Fنظور الكوني وحسبما قلت من قبل V رائع الجمال 
ونادر ولكنه فريد من نوعه أيضا في الوقت الحاضر. ففي كل رحلاتنا عبر 
الفضاء والزمن لا يزال كوكبنا حتى الآن على الأقل الـعـالـم الـوحـيـد الـذي 
نعرف عنه أن ا Fادة الفضائية تحولت فيه إلى مادة حية وواعية V ولا بد أن 
يكون هناك الكثير من عوالم ™اثلة مبعثرة عبر الفضاء. لكن تفتيشنا عنها 
يبدأ من هنا ومن خلال ما يتراكم من معرفة لدى رجال جنسنا ونسائه £ 
جمعها بثمن كبير جدا خلال ملاي Q السن Q. ثم اننا نتمتع بامتياز العـيـش 
ب Q هؤلاء الناس الأذكياء والمحب Q للاطلاع وفي زمن يكافأ فيه السعي إلى 
ا Fعرفة عموما. وهكذا فان الكائنات البشريـة الـتـي ولـدت فـي الأصـل مـن 
النجوم وتسكن حاليا ولفترة ما عا Fا يدعى الأرض بدأت فعلا رحـلـتـهـا أو 
سفرها الطويل إلى مسقط رأسها الأصلي. 
إن اكتشاف كون الأرض عا Fا »صغيرا « كان قد £ شأنه شأن الكثير من 
الاكتشافات الإنسانية ا Fهمة في الشرق الأدنى الـقـد …. وفـي زمـن يـدعـوه 
بعض الناس القرن الثالث قبل ا Fيلاد V وفي أعظم عاصمة في ذلك العمـر 
التي هي مدينة الإسكندرية ا Fصرية V هنا عاش رجل اسمه إيراتوسثـيـنـس 
Eratosthenes) ) وقد دعاه أحد معـاصـريـه »بـيـتـا « وهـي الحـرف الـثـانـي مـن 
الأبجدية الإغريقية وأوضح أن إيراتوسـثـيـنـس كـان ثـانـي أفـضـل رجـل فـي 
العالم في كل شيء ولكن يبدو واضحا أن إيراتوسثينس كان الأول أو »الفا « 
في كل شيء تقريبا. وعموما فقد كان هذا الرجل فلكيا ومؤرخا وجغرافيا 
وفيلسوفا وشاعرا وناقدا مسرحيا وعالم رياضيات وتراوحت عناوين الكتب 
التي كتبها ب Q »علم الفلك « و »عن التحرر من الألم « وكان أيضا مدير مكتبة 
الأسكندرية الكبرى V حيث قرأ في أحد الأيام في كتاب من ورق البردي عن 
أن القضبان العمودية لا تلقي ظلالا في نقطة حدودية أمامية من منطقـة 
جنوب أسوان على مقربة من أول شلال لنهر النيل وقت الظهيرة من يوم ٢١ 
حزيران (يونيو) ففي يوم انقلاب الشمس الصيفي الذي هو أطول يوم في 
العام وإذ يقترب الوقت من منتصف النهار فان ظلال أعمدة ا Fعبد تقصـر 
شيئا فشيئا V ثم تختفي نهائيا في منتصف النـهـار و yـكـن عـنـدئـذ أن يـرى 
انعكاس الشمس في ا Fاء ا Fوجود في أسفل بئر عميقة ويصبح قرص الشمس 
25
الكون 
فوق الرأس oاما. 
كان yكن لأي شخص آخر أن يتجاهـل هـذه ا Fـلاحـظـة بـسـهـولـة V فـمـا 
أهمية القضبان والظلال والانعكاسات في الآبار ووضع الشمس بالـنـسـبـة 
إلى ا Fسائل التي نواجهها في حياتنا اليومية? ولكن إيراتوسثينس كان عا Fا 
وبالتالي فان تأملاته في هذه العموميات غيرت العالـم أو إنـهـا ‚ـعـنـى مـا 
صنعت العالم. وهكذا فإن حضور الذهن عند إيراتوسـثـيـنـس جـعـلـه يـقـوم 
بتجربة وان يلاحظ عمليا ما إذا كانت القضبان العمـوديـة لا تـلـقـي ظـلالا 
أيضأ في الأسكندرية في الوقت والتاريخ نفسيهما (الساعة ١٢ من يوم ٢١ 
حزيران). واكتشف أنها تلقي ظلالا خلافا Fا هو عليه الأمر في تلك ا Fنطقة 
من أسوان. 
سأل إيراتوسثينس نفسه كيف yكن لقضيب أن يلقي ظلا في الإسكندرية 
ولا يستطيع أن يفعل ذلك في اللحظة ذاتها في أسوان علما أن الإسكندرية 
تقع إلى الشمال من أسوان. ولنأخذ في الاعتبار خريطة مصر القد yة مع 
قضيب Q عمودي Q بطول واحد V أحدهما مغروز في الإسكندرية والآخر في 
أسوان ولنفترض أن كلا منهما في لحظة معينة لا يلقي ظلا البتة. يسـهـل 
oاما أن نفهم هذه الظاهرة ولو كانت الأرض مسطحة وستكـون الـشـمـس 
عندئذ فوق الرآس oاما. وإذا كان طولا ظلي القضيب Q متساوي Q فالأمر 
صحيح أيضا في أرض مسطحة حيث ستنحرف أشعة الـشـمـس بـالـزاويـة 
نفسها عن كل من القضيب Q. ولكن كيف yكن أن يوجد في الوقت ذاته ظل 
في الإسكندرية ولا يوجد ظل ™اثل في أسوان? 
إن الجواب الوحيد ا Fمكن حسب رأي إيراتوسثينس هو أن يكون سطح 
الأرض محدبا V والأكثر من ذلك هو أنه كلما ازداد التحدب أو الانحناء ازداد 
الفرق ب Q طولي الظل Q. والشمس بعيدة جدا لـدرجـة أن أشـعـتـهـا تـصـبـح 
متوازية عندما تصل إلى الأرض والقضبان ا Fوضوعة بزوايا مختلفة بالنسبة 
إلى أشعة الشمس ترمي ظلالا بأطوال مختلفة. وبالنسبة إلى الفرق ا Fلحوظ 
ب Q طولي الظل Q فان ا Fسافة ب Q الإسكندرية وأسوان يجب أن تكون زهاء 
سبع درجات على امتداد سطح الأرض. هذا يعني أنك إذا تخيلت القضيب Q 
™تدين نحو الأسفل حتى مركز الأرض V فإنهما سيتقاطعان مشكل Q زاوية 
تساوي سبع درجات V وسبع درجات تساوي نحو جزء من خمس Q من محيط 
26
شواطىء المحيط الكونى 
الكـرة الأرضـيـة ا Fـسـاوي ٣٦٠ درجة وعرف ايـراتـوسـتـيـنـز أن ا Fـسـافـة بـ Q 
الأسكندرية وأسوان هي ٨٠٠ كيلومتر تقريبا لأنه استأجر رجلا لكي يقيسها 
بالخطوات واذا ضربنـا ٨٠٠ بالرقم ٥٠ نحصل على الرقـم ٤٠ ألف كيلومتر 
وهو محيط الكرة الأرضية ( ٣). 
وهذا هو الجواب الصحيح ولم تكن أدوات إيراتوسثينس سوى قضيب Q 
وعين Q وقدمي رجل ودماغ مفكر إضافـة إلـى الـرغـبـة فـي الـتـجـربـة. وقـد 
استطاع بوساطة هذه الأدوات أن يحسب محيط الكرة الأرضية بـخـطـأ لا 
يزيد على أجزاء قليلة با Fئة V وهو إنجاز ملحوظ قبل ألف Q ومئتي سنة. كان 
إيراتوسثينس أول شخص يقيس حجم الكرة الأرضية بدقة. 
كان عالم البحر الأبيض ا Fـتـوسـط مـشـهـورأ فـي ذلـك الـوقـت بـالـسـفـر 
البحري. وكانت الإسكندرية أكبر مرفأ بحري في العالم. ألـن تـغـريـك إذن 
معرفة أن الأرض هي كرة ذات قطر متواضع بالقيام برحلات استكشافية 
تحاول أن تتعرف فيها إلى أراض مجهولة. ور ‚ا تحاول أيضا أن تبحر حول 
الكوكب? وقبل أربعمئة سنة من إيراتوسثينس أبحر أسطول فينيـقـي حـول 
أفريقيا بأمر من فرعون مصر نيكو ( Necho ) ويحتمل أنهم انطلقوا في تلك 
الرحلة البحرية في مراكب مكشوفة من البحر الأحمر وداروا حول الشاطىء 
الشرقي لأفريقيا باتجاه المحيط الأطلسي V ثم عادوا عبـر الـبـحـر الأبـيـض 
ا Fتوسط. استمرت هذه الرحلة ثلاث سنوات أي الوقت نفسه الذي تحتاج 
إليه مركبة فوياجير الفضائية الحديثة لقطع ا Fسافة ب Q الأرض وزحل. 
وبعد اكتشاف إيراتوسثينس V حاول بحارة شجعان ومغامرون القيام بعدة 
رحلات بحرية كبرى V كانت مراكبهم صغيرة V ولم تكن لـديـهـم سـوى أدوات 
ملاحية بدائية فاستخدموا التخم Q وساروا ‚حاذاة الشواطىء كلمـا كـان 
ذلك ™كنا. كانوا يستطيعون تحديد خط العرض في المحيط اﻟﻤﺠهول V وان 
لم يستطيعوا تحديد خط الطول V وذلك عبر مراقبة الليل والـنـهـار ومـكـان 
مجموعات النجوم بالنسبة إلى الأفق ولا بد أن مجموعات النجوم ا Fألوفة 
كانت تبعث على الثقة في وسط محـيـط مـجـهـول V والـنـجـوم هـي أصـدقـاء 
ا Fكتشف Q عندما كانوا يسافرون في ا Fاضي على السفن البحرية في الأرضV 
والآن إذ يسافرون على السفن الفضائية في السماء. وبعد إيراتوسـثـيـنـس 
حاول بعض الناس أن يدور حوله الأرض لكن أحدا لم ينجح قبل مـاجـلان 
27
الكون 
فكم من قصص الجرأة وا Fغامرة كان ينبغي روايتها عندما قامر البحارون 
وا Fلاحون V وهم رجال العالم العمليون بحياتهـم انـطـلاقـا مـن الـريـاضـيـات 
التي أثبت عالم من الإسكندرية كروية الأرض بوساطتها? 
وفي زمن إيراتوسثينس أنشئت الكرات التي oثل الأرض كما ترى مـن 
الفضاء. وكان الصانعون عل درجة من الدقة بالنسبة إلى مـنـطـقـة الـبـحـر 
الأبيض ا Fتوسط ا Fكتشفة جيدا. لكن هذه الدقة كانت تقل أكثر فأكثر كلما 
ابتعد هؤلاء عن موطنهم. ومعرفتنا الحالية للفضـاء oـاثـل هـذه الـظـاهـرة 
ا Fزعجة والحتمية في آن. وقد كتب الجغرافي الإسكندري سترابو ( (Strabo 
في القرن الأول ا Fيلادي ما يلي: »لا يقول أولئك الذين عادوا من محاولات 
الدوران بحرا حول الأرض إنهم منـعـوا مـن ذلـك بـسـبـب قـارة اعـتـرضـتـهـم 
فالبحر بقي أمامهم مفتوحا oاما. لكنهم عادوا بسبب الافتقار إلى التصميم 
وندرة ا Fؤن.. وكان إيراتوسثيـنـس قـد قـال إنـه إذا لـم يـكـن اتـسـاع المحـيـط 
الأطلسي عائقا V فإننا نستطيع أن نعبر البحر بسهولة من ايبريا إلى الهند.. 
ومن المحتمل oاما أن يوجد في ا Fنطقة ا Fعتدلة الحرارة أرض أو أرضـان 
مسكونتان.. وفي الواقع فإذا (كان هذا الجزء من العالم) مسكونا فـسـوف 
يكون مسكونا برجال لا يشبهون الناس ا Fوجودين في منـاطـقـنـا ويـجـب أن 
ننظر إليه بوصفه عا Fا مسكونا آخر .« 
كان الناس بدأوا يغامرون V في كل معنى تقريبا V في السفر إلـى عـوالـم 
أخرى. وعموما فإن الاكتشاف اللاحق لـلـكـرة الأرضـيـة كـان جـهـدا عـا Fـيـا 
وشمل السفر من وإلى الص Q وبولينيزيا. وكانت الذروة هي اكتشاف أميركا 
من قبل كريستوفر كولومبوس ورحلات القرون القليلة التالية التي أكمـلـت 
الاكتشاف الجغرافي للأرض. كانت أول رحلة لكولومبـوس تـرتـبـط بـشـكـل 
مباشر بحسابات إيراتوسثينس V وقد أعجب كولومبوس ‚ا دعاه »مشـروع 
جزر الهند الغربية « الذي يهدف إلى الوصول إلى اليابان V والص VQ والهند 
ليس بالإبحار ‚حاذاة الشاطىء الأفريقي ثم الاتجاه شرقا V بل بالاقتحـام 
الجريء للمحيط الغربي اﻟﻤﺠهول أو كما قال إيراتوسثينس في تنبئه ا Fذهل 
عن »عبور البحر من إيبريا إلى الهند .« 
كان كولومبوس بائعا جوالا يبيع الخرائط القد yة وقارئا مواظبا للكتب 
الـتـي كـتـبـهـا الجـغـرافـيـون الـقـدمـاء أو تــروي قــصــص هــؤلاء ‚ــن فــيــهــم 
28
شواطىء المحيط الكونى 
إيراتوسثينس V وسترابو V وبطليموس إلا أنه كان ينبغي من أجل تنفيذ مشروع 
جزر الهند الغربية مع الحفاظ على حياة البحارة وسفنـهـم خـلال الـرحـلـة 
الطويلة أن تكون الأرض أصغر ™ا حسب إيراتوسثينس. ولذا لجأ كولومبوس 
إلى الغش في حساباته طبقا للتقييم الصحيـح لجـامـعـة سـالامـانـكـا. فـقـد 
استعمل أصغر محيط ™كـن لـلأرض وأطـول امـتـداد نـحـو الـشـرق لآسـيـا 
استطاع أن يجده في جميع الكتـب ا Fـوجـودة لـديـه ثـم بـالـغ حـتـى فـي هـذه 
القيم. ولو لم يكن الأميركيون على طريق كولومبوس لفشلت بعثته كليا. 
أصبحت الأرض مكتشفة كليا الآن ولم يعد ™كنـا أن نـكـتـشـف قـارات 
جديدة أو أماكن ضائعة ولكن التكنولوجيا التي سمـحـت لـنـا بـاكـتـشـاف أو 
سكن ا Fناطق الأبعد في الأرض هي التي ستسمح لنا الآن بأن نغادر كوكبنا 
ونغامر في الفضاء لكي نكتشف عوالم أخرى. واذ نغادر الأرض فاننا نصبح 
قـادريـن عــلــى رؤيــتــهــا مــن الأعــلــى. ونــرى شــكــلــهــا الــكــروي ذا الأبــعــاد 
الإيراتوسثينسية والصـور الـكـفـافـيـة ( ٤) للقارات التي تثبت أن الـكـثـيـر مـن 
صانعي الخرائط القدماء كانوا على درجة ملحوظة مـن ا Fـهـارة V فـكـم كـان 
هذا ا Fنظر سيسعد إيراتوسثينس وجغرافيي الإسكندرية الآخرين? 
كانت الإسكندريـة خـلال ٦٠٠ عام التي بدأت منذ عـام ٣٠٠ قبل ا Fيـلاد 
تقريبا هي ا Fكان الذي انطلقت فيه الكائنات البشرية في ا Fغامرة الفكرية 
التي قادتنا الآن إلى تخوم الفضاء. الا أنه لم يبق شـيء yـكـن مـشـاهـدتـه 
والإحساس به من تلك ا Fدينة الرخامية اﻟﻤﺠيدة V فالظلم والخوف من التعلم 
أزالا كل شيء تقريبا من ذاكرة مدينة الإسكندرية القد yة.. كـان سـكـانـهـا 
يشكلون خليطا عجيبا من الناس. فالجنود ا Fقدونيون ولاحقا الجنود الرومان 
والكهنة ا Fصريون والارستقراطيون الإغريق والبحارة الفينيقيـون والـتـجـار 
اليهود والقادمون من الهند وأفريقيا الصحراوية V جميعهـم عـاشـوا-مـاعـدا 
العدد الكبير من السكان العبيد-في انسجام واحـتـرام مـتـبـادل فـي مـعـظـم 
فترة العظمة التي عاشتها هذه ا Fدينة. 
وضع أسس ا Fدينة الإسكندر الكبير وبناها حاشيتـه وجـنـوده وحـراسـه 
السابقون وشجع الإسكندر على احترام الثقافات الأجنبية وعلى الحصول 
على ا Fعرفة بعقول مفتوحة ويقال إنه قام حسب التقاليد-وليس مهما جدا 
أن يكون ذلك قد حدث فعلا-بالهبوط تحت سطح البحـر الأحـمـر فـي أول 
29
الكون 
جهاز غطس في العالم كان على شكل ناقوس. وشجع جنرالاته وجنوده على 
تزوج النساء الفارسيات والهنديات واحترام آلهة الشعوب الأخـرى. وجـمـع 
حيوانات غريبة ‚ا فيها الفيل لأرسطو معلـمـه. وقـد بـنـيـت مـديـنـتـه عـلـى 
مساحة كبيرة لكي تكون مركزا عا Fيا للتجارة والثقافة والـتـعـلـيـم وأقـيـمـت 
فيها شوارع واسعة بلغ عرضها ٣٠ مترا ومبان و oاثيل رائعة وقبر الإسكندر 
التذكاري ومنارة ضخمة لإرشاد السفن عدت إحدى العجـائـب الـسـبـع فـي 
العالم القد …. لكن ا Fعجزة الكبرى في الإسكندرية هي مكتبتهـا وا Fـتـحـف 
ا Fلحق بها (وبالتعبير الحرفي تلك ا Fؤسسة ا Fعدة لاختصـاصـات ا Fـوزيـات 
التسع) ( ٥). ولم يبق ومن هذه ا Fكتبة الأسطورية الآن سوى القبو الـشـديـد 
الرطوبة ا Fهمل وهو ملحق ا Fكتبة ا Fعروف بالسيرابيوم والذي استخدم في 
وقت ما معبدا. ثم كرس لاحقا للموضوعات ا Fعرفـيـة V ور ‚ـا لـم يـبـق مـنـه 
حاليا سوى رفوف باليه. ومع ذلـك فـان هـذا ا Fـكـان كـان فـي يـوم مـا دمـاغ 
وفخر أعظم مدينة على كوكب الأرض وأول معهد أبحاث حقيقي في تاريخ 
العالم. وقد درس علماء ا Fكتبة الكون كله (إن كلمة الكون التي هي «Cosmos» 
في اللغات الأجنبية كالفرنسية والإنكليزية والروسية.. إلخ V هي كلمة إغريقية 
تعني »نظام الكون «). وهـي بـشـكـل مـا عـكـس كـلـمـة «Chaos» أي الاختـلاط 
والتشوش أو ‚عنى آخر حالة الكون اﻟﻤﺨتلطة قبـل تـكـونـه. وهـي تـتـضـمـن 
العلاقة ا Fتبادلة العميقة لكل الأشياء وتبعث الرهبة من الطريقة الدقيـقـة 
وا Fاهرة التي جمع فيها الكون بالشكل الراهـن. وهـنـا عـمـلـت جـمـاعـة مـن 
العلماء في اكتشاف الفيزياء والأدب والطب وعلم الفلك والجغرافيا والفلسفة 
والرياضيات والبيولوجيا والهندسـة. هـنـا نـشـأ الـعـلـم والـثـقـافـة وازدهـرت 
العبقرية. ففي مكتبة الإسكندرية جمع جنسنا البشري معارف العالم كلها 
بشكل جدي ومنتظم. 
وبـالإضـافـة إلـى إيـراتـوسـثـيـنـس كـان هـنـاك عـالـم الـفـلـك هـيــبــركــوس 
Hipparchus) ) الذي وضع خرائط مجموعات النجـوم وقـدر إضـاءة الـنـجـوم 
ذاتها. وأقليدس الذي وضع أسس علم الهندسـة وقـالـت Fـلـيـكـه الـذي كـان 
يجهد في حل مسألة رياضية صعبة V لا يوجد طريق ملكي إلى علم الهندسة. 
وديونيسيوس ( Dionysius ) من تريس ( Thrace ) وهو الرجل الذي حدد أجزاء 
الكلام وفعل في دراسة اللغة ما فعله أقليدس في علم الهندسة. وهيروفيلوس 
30
شواطىء المحيط الكونى 
Herophilus) ) الفيزيولوجي الذي اثبت أن الـدمـاغ ولـيـس الـقـلـب هـو مـركـز 
الذكاء V وهيرون الأسكـنـدري مـخـتـرع الـقـطـارات ذات الـتـروس (الـدوالـيـب 
ا Fسننة) والمحركات البخارية-ومؤلف كتاب الأ oتة ( Automata ) الذي هو أول 
كتاب عن أجهزة الروبوت (الإنسان الآلـي). وأبـولـونـيـوس ( Apollonius ) مـن 
بيرغـا ( Perga ) عالم الرياضيات الذي أشهر أو كـشـف أشـكـال الـقـطـوع ( ٦) 
(جمع قطع) اﻟﻤﺨروطية كالقطع الناقص والقطع ا Fكافىء والقطـع الـزائـد V 
وهي ا Fنحنيات التي نعرف الآن انها تشكـل مـسـارات الـكـواكـب وا Fـذنـبـات 
والنجوم V وأرخميدس الذي هو أكبر عبقري ميكانيكي حتى ليوناردو دافينشي V 
وعالم الفلك والجغرافيا بطليموس الذي جمع الكثير ™ا يـعـد الآن نـظـام 
وطرائق وافتراضات علم الفلك الزائف V علما أن نظريتـه عـن كـون الأرض 
مركزا للكون بقي معمولا بها مدة ١٥٠٠ سنة V الأمر الذي يعد مؤشرا إلى أن 
القدرات العلمية ليست ضمانا لعدم الوقوع في الخطأ. وب Q هؤلاء الناس 
العظام وجدت امرأة عظيمة هي هيباتيا ( Hypatia ) عا Fة الرياضيات والفلك V 
وهي آخر ضوء في مكتبة الأسكندرية V إذ إن استشهادها يرتـبـط بـتـدمـيـر 
هذه ا Fكتبة بعد سبعة قرون من تأسيسها. 
اهتم ملوك مصر الإغريقيون الذين جاؤوا بعد الإسكندر بشكـل جـدي 
بالتعليم فدعموا لقرون الأبحاث وحافظوا على خلق جو ملائم وعملي في 
ا Fكتبة لأفضل عقول ذلك العصر. واحتوت هذه ا Fكتبة على عشر قـاعـات 
كبيرة للأبحاث خصص كل منها Fوضوع منفـصـل V وضـمـت نـوافـيـر مـائـيـة 
وأعمدة وحدائق نباتية وحديقة حيوانات وغرفا لتشريح الجثـث ومـرصـدا 
وقاعة كبيرة للطعام كانت تستخدم في أوقات الفراغ للمناقشة الانتقـاديـة 
للأفكار ا Fطروحة. 
كان قلب ا Fكتبة هو مجموعة الكتب ا Fوجودة فيها. وعمد ا Fنظمون إلى 
جمع ثقافات العالم ولغاته كلها. وكانوا يرسلون وكلاءهم إلى الخارج لشراء 
مجموعات الكتب ومخطوطات الدراسة أو ا Fراجعة. وكانت السفن التجارية 
التي ترسو في ميناء الإسكندرية تفتش مـن قـبـل الـشـرطـة لـيـس مـن أجـل 
ا Fهربات بل الكتب V إذ كانت لفائف ورد البردي تستعار لكي تنسخ ثم تعـاد 
إلى أصحابها ويصعب تقدير ما كانت تحتويه هذه ا Fكتبة V لكن يبدو محتملا 
أنها احتوت على نصف مليون مجـلـد كـل مـنـهـا عـبـارة عـن لـفـافـة مـن ورق 
31
الكون 
البردي مكتوبة بخط اليد فماذا حدث لكل هذه الكتـب? عـفـا الـزمـن عـلـى 
الحضارة الكلاسكية التي أنتجتها ودمرت ا Fكتبة ذاتها عن عـمـد ولـم يـنـج 
سوي القليل من محتوياتها إلى جانب أجزاء متناثرة من الكتب تثير الشفقة 
والحزن. وكم تبعث هذه الأجزاء والنتف الباقية من الألم العميق في النفوس. 
نحن نعلم على سبيل ا Fثال أنه كان يوجد على رفوف ا Fكـتـبـة كـتـاب لـعـالـم 
الفلك أريسطاركوس من ساموس ( Aristarchus Of Samos ) الذي أكد أن الأرض 
هي أحد الكواكب وتدور مثلها حول الشمس وأن النجوم موجودة على مسافات 
كبيرة جدا منا V وأن كلا من هذه الاستنتاجات صحيح oاما V لكن كان علينا 
أن ننتظر زهاء ألفي سنة لكي نكتشف هذه الحقائق مرة أخرى وان ضاعفنا 
إحساسنا بخسارة هذا ا Fؤلف لاريستارتشوس مئة ألف مرة عند ذاك نبدأ 
بتقدير عظمة إنجاز هذه الحضارة الكلاسيكية ومأساة تدميرها. 
لقد تجاوزنا الآن وإلى حد بعيد العلم الذي عرفه العالم القد V… ولكن 
توجد ثغرات لا yكن ردمها في معرفتنا التاريخية V فتصور أي خفايـا عـن 
ماضينا كان yكن كشف النقاب عنها بوساطة بطاقـة اسـتـعـارة تـقـدم إلـى 
مكتبة الإسكندرية ونحن نعلم بفقدان ثلاثة مجلدات عن تاريخ العالم كـان 
قد كتبها كاهن بابلي اسمه بيروسوس ( Berossus ) الأول منها يعالج ا Fرحلة 
منذ بداية الخليقة حتى الطوفان وهي فترة امتدت ٤٣٢ ألف سنة أي أطول 
‚ئة مرة من تقو … العهد القد …. فما أشد توقنا إلى أن نـعـرف مـاذا كـان 
فيه!. 
عرف القدماء أن عمر العالم قد … جدا. وسعوا إلى أن يعرفوا شيئا عن 
ا Fاضي البعيد ونحن نعرف الآن أن الكون أقدم بكثـيـر ™ـا تـصـور هـؤلاء. 
وقد قمنا بدراسة الكون في الفضاء ورأينا أننا نعيش على »ذرة من الغبار « 
تدور حول نجم رتيب في أبعد زاوية من مجرة مظلمة. واذا كنا نحن ذرة في 
اتساع الفضاء فاننا نحتل أيضا لحظة من امتداد العصور. ونـعـلـم الآن أن 
كوننا في بعثه الحديث على الأقل يبلغ من العمر نحو ١٥ أو ٢٠ مليار سنة V 
وهذا الزمن محسوب منذ ذلك الحدث التفجيري الاستثنائي الذي يعـرف 
بالانفجار الكبـيـر ( The Big Bang ) وفي بداية الكون لم تكن هنـاك مـجـرات 
ونجوم أو كواكب أو حياة أو حضارات V بل مجرد كرة نارية مشعة منتظـمـة 
الشكل oلأ الفضاء كله. وان الانتقال من حالة تشوش اختلاط الانـفـجـار 
32
شواطىء المحيط الكونى 
الكبير إلى حالة الكون ا Fنتظم التي بدأنا نعرفها V هو التحول الأشد رعـبـا 
للمادة والطاقة الذي كان لنا الحظ في القاء نظرة خاطفة عليـه. وإلـى أن 
نجد كائنات أكثر ذكاء منا في مكان آخر V فإننا نظل الظاهرة الأهم في كل 
التحولات التي نجمت عن هذا الانفجار الكبير V والأحفاد البعيدين جدا له 
الذين تقع على عاتقهم مهمة فهم الكون الذي نشأنا منه V والعمل بـالـتـالـي 
على تحويله. 
33
الكون 
34
صوت واحد في الترنيمه الكونية 
35 
صوت واحد في الترنيمة 
الكونية 
كنت طيلة حياتي أشعر بـالحـيـرة إزاء احـتـمـال 
وجود الحياة في أماكن أخرى خارج كوكبنا الأرضي. 
و ¥ »تتألف هذه الحياة إن وجدت? فالأشياء الحية 
في كـوكـبـنـا مـؤلـفـة مـن جـزيـئـات عـضـويـة أو بـنـى 
ميكروسكـوبـيـة مـعـقـدة يـؤدي الـكـربـون فـيـهـا دورأ 
رئيسيا. وقد مر زمن قبل الحياة ذاتها كانت الأرض 
فيه عارية ومهجورة oاما. ولكن كوكبنا يزخر الآن 
بالحياة V فكيف حدث ذلك? 
وكيف صنعت الجزيئات العضوية ذات الأساس 
الكربوني في غياب الحياة? ثم كـيـف نـشـأت أولـى 
ا Fواد الحية? وكيف تطـورت الـكـائـنـات الحـيـة إلـى 
وضعها الحالي الدقيق وا Fعقد V الذي œـثـلـه نـحـن 
»الجنس البشري «القادر على كشف سر نشوئه? 
وهل توجد حياة أيضا على ذلك العدد الذي لا 
يحصى من الكواكب الأخرى الـتـي yـكـن أن تـدور 
حول الشموس الأخرى? وهل الحيـاة خـارج كـوكـب 
الأرض V إذا وجدت V تعتمد شأنها شأن الحياة فـي 
هذا الكوكب على الجزيئات العـضـويـة ذاتـهـا? هـل 
الكائنات الحية في العوالم الأخرى تشبه مثيلاتها 
2
الكون 
على الأرض V أم أنها مختلفة عنها إلى حد مذهل V لأنها مضطرة إلى التكيف 
مع بيئات أخرى? وماذا yكن أن يكون هناك? فطبيعة الحياة على الأرض V 
والبحث عن الحياة في أماكن أخرى V هما وجهان للسؤال ذاته ا Fتمثل بالبحث 
عمن نكون نحن. 
توجد في الظلام الدامس ب Q النجوم غـيـوم مـن الـغـاز والـغـبـار وا Fـادة 
العضوية V وقد أمكن كشف عشرات الأنواع اﻟﻤﺨتلفة من الجزيئات العضوية 
بوساطة التلسكوبات اللاسلكية. غزارة هذه الجزيئات تشير إلى وجود مادة 
الحياة في كل مكان V ور ‚ا يكون تطور الحياة مع مرور زمـن كـاف ضـرورة 
كونية حتمية أو أمرا لا مفر منه. وقد لا تنشأ الحياة أبدا في بعض مليارات 
الكواكب ا Fوجودة في مجرة درب اللبانة V بينما yكن أن تنشأ وتنقرض في 
بعضها الآخر V أو قد لا تتطور هذه الحياة إلى أكثر من أشكالها البسيطة. 
وفي ا Fقابل yكن أن تنشأ وتتطور حياة ذكية V وحضارات أكثر تـقـدمـا مـن 
حضارتنا في جزء صغير من العوالم. 
وقد يلاحظ أحدهم V أحيانا ذلك التوافق أو تـلـك ا Fـصـادفـة الـسـعـيـدة 
التي جعلت الأرض ملائمة oاما للحياة فجمعت ب Q الطقس ا Fعتدل V وا Fاء 
السائل V والجو الأكسجيني وغير ذلك. ولكن ذلك جزئيا على الأقل V خلـط 
ب Q السبب والنتيجة. فنحن V سكان هذه الأرض V متكيفون بشكل مثالي مع 
بيئة كوكبنا لأننا نشأنا فيها. ونحن نتحدر من العضويات التي قامت بعملها 
جيدا V وبالتالي فإن العضويات التي تتطور في عالم مختلـف oـامـا سـوف 
تغني أنشودتها أيضا. 
الحياة على الأرض هي على علاقة وثيقة فيما بينها. فإن لدينا كيمياء 
عضوية مشتركة وإرثا تطوريا مشتركا. ونتيجة لذلك فإن مجال عمل علمائنا 
البيولوجي Q محدود جدا V فهم يدرسون نوعا واحدا فقط من البـيـولـوجـيـا 
(علم الحياة) V أي موضوعا واحدا V ووحيدا V في موسيقى الحياة. فهل هذا 
اللحن الضعيف والهزيل هو الصوت الوحيد في تلك ا Fسافات التي يقطعها 
الضوء في آلاف السن Q? أم أن ثمة نوعا آخر من الأصـوات الـكـونـيـة ذات 
الألحان العادية V وا Fغايرة V وا Fتنافرة V وا Fنسجمة V وا Fشكلة Fليارات الأنغام 
التي تعزف موسيقى الحياة في اﻟﻤﺠرة? 
اسمحوا لي أن أروي لكم قصة عن فقرة صغيرة في موسيـقـى الحـيـاة 
36
صوت واحد في الترنيمه الكونية 
على الأرض V ففي عـام ١١٨٥ كان إمبراطور اليابان صـبـيـاً في السابعة مـن 
عمـره اسـمـه أنـتـوكـي V وكـان الـزعـيـم الاسـمـي لـفـئـة الـسـامـوراي ا Fـعـروفـة 
»بالهايكي «التـي خـاضـت حـربـاً دموية طويلة مع فئـة سـامـوراي أخـرى هـي 
»الجانجي «« . كان كل من هات Q الفئت Q يدعي أن العرش الإمبراطوري هـو 
حقه الوراثي. ثم وقعت ا Fعركة البحرية الحاسمة بينهما في دانو-أورا فـي 
بحر الجزر اليابانية في ٢٤ نيسان (أبريل) من عام ١١٨٥ . وكان الإمبراطور 
نفسه على م ¦ إحدى السفن. وإذ كان الهايكيون أقل عددا V وأضعف مناورة V 
فقد قتل العديد منهم V بينما رمى الناجون أنفسهم وبأعداد كبيرة في البحر 
وغرقوا. قررت السيدة ني ( Nii ) جدة الإمبراطور أنه لا يجوز أن تؤسر هي 
وحفيدها من قبل الخصوم. وما حدث فيما بعد ترويه قصة الهايكي بالشكل 
التالي: 
»كان الإمبراطور قد بلغ السابعة من عمـره آنـذاك V ولـكـن مـظـهـره كـان 
يوحي بأنه أكبر من ذلك. كان قريبا إلى القلب لدرجة بدا معها كأنه مصدر 
إشعاع متألق V كما أن شعره الطويل الأسود كان يتدلى على كتفيه V وبنظرة 
مليئة با Fفاجأة والقـلـق رسـمـت عـلـى وجـهـه V سـأل الـسـيـدة »نـي «: إلى أيـن 
ستأخذينني يا جدتي? «« 
استدارت هذه السيدة إلى السلطان الصغير V بينما كانت الدموع تتدفق 
على وجنتيها V وواسته مداعبة شعره الطويل ا Fنسدل على ثوبه ا Fلـون. وإذ 
انهارت دموعه حتى كادت oنع الرؤية عنه V شبك إحدى يديه الصغيـرتـ Q 
الجميلت Q بالأخرى V واستـدار أولا إلـى الـشـرق لـيـقـول كـلـمـات الـوداع لإلـه 
الآيس ( Ise ) V ثم إلى الغرب ليكرر كلـمـات الـنـمـبـوتـسـو ( Nembutsu ) (صـلاة 
للاميدا بوذا). أخذته السيدة »ني «ب Q ذراعيها بقوة V وما أن نطقت الكلمات 
الأخيرة: »في أعماق المحيط ™لكتنا «حتى أغرقت نفسها مع حفيدها تحت 
الأمواج. 
دمر أسطول الهايكي ا Fعد للمعركة كله. ولم ينج سوى ٤٣ امرأة وأجبرت 
هذه النسوة على بيع الأزهار والعطور الأخرى إلى صيادي الأسمـاك عـلـى 
مقربة من ميدان ا Fعركة حتى يح Q موعد المحـاكـمـة الإمـبـراطـوريـة. وقـد 
اختفى الهايكيون تقريباً من التاريخ. ولكن شرذمة من النساء اللواتي نجون 
من ا Fعركة والمحكمة V وأحفادهن الذين حملت بهم أمهاتهم بنتيجة علاقتهن 
37
الكون 
بصيادي السمك V أصبحت تحتفل بذكرى هذه ا Fعركة. يتم هذا الاحـتـفـال 
كل سنة في ٢٤ نيسان (أبريل) V ولا يزال معمولا به حتى الآن. وهكـذا فـإن 
صيادي الأسماك الذين هم أحفاد الهايكي يرتدون قبعات سوداء من القنب 
الهندي V ويتقدمون إلى ا Fقبرة التي تضم قبر الإمبراطور الذي غرق V وهناك 
يشاهدون oثيلية تعرض الأحداث التي تلت معركة دانو-أورا V وظل النـاس 
لقرون عدة يتخيلون أنهم يستطيعون رؤية أشباح جيوش السـامـوراي وهـي 
تسعى عبثاً إلى نزح ماء البحر بغية تنظيفه من الدم والهز yة والذل. 
يقول صيادو السمك أن رجال الساموراي الهايكي Q لا يزالون يجـولـون 
في قاع ببحر الجزر اليابانية حتى الآن V ولكن بشكل سرطانات (سلطعونات). 
ويوجد هناك على سرطانات ذات علامات غريبة على ظهـورهـا V وأشـكـال 
ونقوش تشبه V بشكل غير مريح V وجه الساموراي. ولا تؤكل هذه السرطانات 
إذا اصطيدت بل تعاد إلى البحر احتراما لذكرى الأحداث الكئيبة في دانو 
أورا. 
تثير هذه القصة مشكلة ™تعة V فكيف yـكـن أن يـحـفـر وجـه المحـارب 
على الدرع الواقي الذي يغطي جسم الـسـرطـان? يـبـدو أن الجـواب هـو أن 
الناس هم الذين فعلوا ذلك ثم انتقلت النماذج ا Fوجـودة عـلـى هـذه الـدروع 
بالوراثة. ولكن يوجد ب Q السرطانات V شأنها شأن الناس V الكثير من الخطوط 
ا Fوروثة اﻟﻤﺨتلفة. ولنفرض أنه ظهر با Fصادفة ب Q الأسلاف البعيدين لهذا 
السرطان œوذج يشبه V وإن قليلا وجه إنسان ما. فحتى قبل معـركـة دانـو- 
أورا كان صيادو الأسماك سيرفضون أكل مثل هذا السرطان V وإذ يعيدونه 
إلى البحـر فـإ œـا يـطـلـقـون الـعـنـان لـعـمـلـيـة تـطـور مـعـيـنـة: وإذا كـنـت أنـت 
سرطانا Vوكان درعك الواقي عاديا V فإن الناس سوف يأكلونك وبالتالي V فإن 
نسلك سيقل. أما إذا درعك الواقي شبيها وإن قليلا بوجه إنسان ما V فسوف 
يعيدونك إلى البحر V وبالتالي سيزداد نسلك. وهكذا كان للسرطانات ميزة 
تكاثر محسوس في النماذج ا Fوجودة على دروعهم. ومع تتالي الأجيال سواء 
فيما يخص السرطانات أو صيادي الأسماك V فإن تـلـك الـسـرطـانـات ذات 
النماذج التي تشبه وجه الساموراي نجت من ا Fوت بنسبة أكثر من سواها V 
وفي نهاية ا Fطاف لم يعد هناك سرطانات تشبه وجه تحمل وجه إنسان V أو 
وجه إنسان ياباني V ولكن وجدت سرطانات تحمل وجه الساموراي الشرس 
38
صوت واحد في الترنيمه الكونية 
والعابس. ولم يكن لذلك كله علاقة ‚ا تريده السرطانات. فالانتقاء مفروض 
من الخارج V وكلما ازداد شبهك بالساموراي أصبح احـتـمـال نجـاتـك أكـبـر V 
وفي نهاية ا Fطاف يصبح هناك عدد كبير جدا من سرطانات الساموراي. 
تسمى هذه العملية الانتقاء الاصطناعي. وقد نفذت V في حالة السرطان 
الهايكي V بشكل غير مقصود من قبل صيادي الأسماك V وبالتأكيـد دون أي 
تفكير جدي من قبل السرطانات. ولكن البشر اختاروا عن عمد تلك النباتات 
والحيوانات التي يجب أن تعيـش V وتـلـك الـتـي يـجـب أن oـوت خـلال آلاف 
السن Q. ونحن محاطون منذ الطفولة بحيوانات حقل وأخرى منزلية مألوفة 
وفواكه وأشجار وخضراوات معينة فمن أين كل هذه? وهل كانت في يوم ما 
تعيش حـرّة في البراري V ثم استجلبت لتحيا حياة أقل إجهادا فـي ا Fـزارع? 
الجواب هو النفي V والحقيقة هي شيء مختلف oاما. فنحن الذين صنعنا 
أغلب هذه النباتات والحيوانات. 
لم يكن يوجد قبل عشرة آلاف سنة بقر داجن أو كلاب صيد أو عرانيس 
39 
ذرة كبيرة. 
وعندما دجّنا هذه الحيوانات والنباتات علما أن بعض هذه الحيوانـات 
كانت تبدو مختلفة جدا أحيانا عما أصبحت عليه V فقد سيطرنا على عملية 
توالدها V وأكدنا ضرورة التركـيـز عـلـى أنـواع مـعـيـنـة oـلـك الخـواص الـتـي 
اعتبرناها مرغوبة V وبالتالي عملنا على اعطـائـهـا الأفـضـلـيـة فـي الـتـوالـد. 
وهكذا فعندما كنا نرغب في امتلاك كلب يساعدنا في حماية الأغنام V فقد 
انتقينا سلالة ذكية ومطيعة من الكلاب V ولديها موهبة سابقة في الاهتمام 
بالقطيع V و yكن الاستفادة منها في الصيد الجماعي. وكذلك فـإن اقـتـنـاء 
ذلك العدد الكبير من الحيوانات اللبونة جاء نتيجة لحاجة الناس إلى الحليب 
والج §. أما الذرة V والصفراء منها خاصة V فقد جعلت عـلـى امـتـداد حـيـاة 
عشرة آلاف جيل V أطيب مذاقا V وأكثر فائدة من الناحية الغذائية ™ا كانت 
في السابق V وفي الواقع V فقد تغيرت لدرجة لا yكن معها أن تتـكـاثـر دون 
تدخل الإنسان. 
إن جوهر الانتقاء الاصطناعي V بها يتعلق بالسرطانات الهايكي V والكلب V 
والبقرة V وعرنوس الذرة V هو كون الكثير من السمات الجسمية والسلوكـيـة 
للنباتات والحيوانات موروثا V فهي تتوالد فعلا ولكن الناس يشجعون V لأسباب
الكون 
شتى V تكاثر بعض أنواعها V ولا يشجعون تكاثر البعض الآخر منها V ثم تتكاثر 
الأنواع ا Fنتقاة وتصبح متوافرة بكثرة V بينـمـا تـصـبـح الأنـواع الأخـرى نـادرة 
ور ‚ا تنقرض. 
ولكن إذا كـان الـنـاس قـادريـن عـلـى تـولـيـد أنـواع جـديـدة مـن الـنـبـاتـات 
والحيوانات V ألا يجدر بالطبيعة أن تفعل أيضا هذه العمليـة الأخـيـرة الـتـي 
تعرف بالانتقاء الطبيعي. 
أما كون الحياة قد تغيرت بشكل جوهري عبر الدهور V فهو أمر واضح 
oاما في التغيرات التي صنعناها نحن في الحـيـوانـات الـبـريـة والـنـبـاتـات 
خلال فترات قصيرة من وجود البشر على الأرض. وفي الدلائل التي نجدها 
في الأحافير( Fossil ) V فسجل هذه الأخيرة يحدثنا بشكل لا غموض فيه عن 
مخلوقات وجدت في فترة ما بأعداد كبيرة جدا V لكنها اختفت الآن كـلـيـا. 
وعموما فإن عدد أنواع النباتات والكائنات الحية التي انقرضت من الأرض 
خلال تاريخها الطويل هو أكبر بكثير ™ا بقي منها الآن. وأن ما بـقـي هـو 
النماذج النهائية أو الأخيرة لتطورها. 
وحدثت التغيرات الوراثية الناجمة عن التدج Q بسرعة كبيرة. فالأرنب 
لم يدجن حتـى بـدايـة الـقـرون الـوسـطـى (جـرى تـولـيـده مـن قـبـل الـرهـبـان 
الفرنسي Q الذين ظنوا أن النماذج الجـديـدة سـتـكـون أنـواعـا مـن الـسـمـك V 
وبالتالي yكن استثناؤها من اللحوم المحرم أكلهـا فـي بـعـض أيـام الـتـقـو … 
الكنسي). والقهوة دجنت في القرن الخامس عشر V بينما لم يدجن الشوندر 
السكري إلا في القرن التاسع عشر V أما ا Fنك وهو حيوان ثديي لاحم فـلا 
يزال في ا Fراحل الأولى من التدج VQ وفي أقل من عشرة آلاف سنة استطاع 
التدج Q زيادة وزن الصوف الذي يغطي جسم الغنم من أقل من كيلوغـرام 
واحد الى عشرة أو عشرين كيلوغراما V كما استطاع زيـادة حـجـم الحـلـيـب 
الذي تعطيه بقرة واحدة خلال فترة الرضاعة من بضع مئات من السنتمترات 
ا Fكعبة إلى مليون سنتمتر مكعب. وإذا استـطـاع الانـتـقـاء الاصـطـنـاعـي أن 
يحقق هذه التغييرات الرئيسية في فتـرة زمـنـيـة قـصـيـرة V فـمـاذا يـجـب أن 
يستطيع فعله الانتقاء الطبيعي الذي امتد عمله خـلال مـلـيـارات الـسـنـ Q? 
والجواب هو كل هذا الجمال والتنوع في العالم البيولـوجـي. فـالـتـطـور هـو 
حقيقة V وليس مجرد نظرية. 
40
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178
178

More Related Content

Featured

How to Prepare For a Successful Job Search for 2024
How to Prepare For a Successful Job Search for 2024How to Prepare For a Successful Job Search for 2024
How to Prepare For a Successful Job Search for 2024Albert Qian
 
Social Media Marketing Trends 2024 // The Global Indie Insights
Social Media Marketing Trends 2024 // The Global Indie InsightsSocial Media Marketing Trends 2024 // The Global Indie Insights
Social Media Marketing Trends 2024 // The Global Indie InsightsKurio // The Social Media Age(ncy)
 
Trends In Paid Search: Navigating The Digital Landscape In 2024
Trends In Paid Search: Navigating The Digital Landscape In 2024Trends In Paid Search: Navigating The Digital Landscape In 2024
Trends In Paid Search: Navigating The Digital Landscape In 2024Search Engine Journal
 
5 Public speaking tips from TED - Visualized summary
5 Public speaking tips from TED - Visualized summary5 Public speaking tips from TED - Visualized summary
5 Public speaking tips from TED - Visualized summarySpeakerHub
 
ChatGPT and the Future of Work - Clark Boyd
ChatGPT and the Future of Work - Clark Boyd ChatGPT and the Future of Work - Clark Boyd
ChatGPT and the Future of Work - Clark Boyd Clark Boyd
 
Getting into the tech field. what next
Getting into the tech field. what next Getting into the tech field. what next
Getting into the tech field. what next Tessa Mero
 
Google's Just Not That Into You: Understanding Core Updates & Search Intent
Google's Just Not That Into You: Understanding Core Updates & Search IntentGoogle's Just Not That Into You: Understanding Core Updates & Search Intent
Google's Just Not That Into You: Understanding Core Updates & Search IntentLily Ray
 
Time Management & Productivity - Best Practices
Time Management & Productivity -  Best PracticesTime Management & Productivity -  Best Practices
Time Management & Productivity - Best PracticesVit Horky
 
The six step guide to practical project management
The six step guide to practical project managementThe six step guide to practical project management
The six step guide to practical project managementMindGenius
 
Beginners Guide to TikTok for Search - Rachel Pearson - We are Tilt __ Bright...
Beginners Guide to TikTok for Search - Rachel Pearson - We are Tilt __ Bright...Beginners Guide to TikTok for Search - Rachel Pearson - We are Tilt __ Bright...
Beginners Guide to TikTok for Search - Rachel Pearson - We are Tilt __ Bright...RachelPearson36
 
Unlocking the Power of ChatGPT and AI in Testing - A Real-World Look, present...
Unlocking the Power of ChatGPT and AI in Testing - A Real-World Look, present...Unlocking the Power of ChatGPT and AI in Testing - A Real-World Look, present...
Unlocking the Power of ChatGPT and AI in Testing - A Real-World Look, present...Applitools
 
12 Ways to Increase Your Influence at Work
12 Ways to Increase Your Influence at Work12 Ways to Increase Your Influence at Work
12 Ways to Increase Your Influence at WorkGetSmarter
 
Ride the Storm: Navigating Through Unstable Periods / Katerina Rudko (Belka G...
Ride the Storm: Navigating Through Unstable Periods / Katerina Rudko (Belka G...Ride the Storm: Navigating Through Unstable Periods / Katerina Rudko (Belka G...
Ride the Storm: Navigating Through Unstable Periods / Katerina Rudko (Belka G...DevGAMM Conference
 
Barbie - Brand Strategy Presentation
Barbie - Brand Strategy PresentationBarbie - Brand Strategy Presentation
Barbie - Brand Strategy PresentationErica Santiago
 
Good Stuff Happens in 1:1 Meetings: Why you need them and how to do them well
Good Stuff Happens in 1:1 Meetings: Why you need them and how to do them wellGood Stuff Happens in 1:1 Meetings: Why you need them and how to do them well
Good Stuff Happens in 1:1 Meetings: Why you need them and how to do them wellSaba Software
 
Introduction to C Programming Language
Introduction to C Programming LanguageIntroduction to C Programming Language
Introduction to C Programming LanguageSimplilearn
 

Featured (20)

How to Prepare For a Successful Job Search for 2024
How to Prepare For a Successful Job Search for 2024How to Prepare For a Successful Job Search for 2024
How to Prepare For a Successful Job Search for 2024
 
Social Media Marketing Trends 2024 // The Global Indie Insights
Social Media Marketing Trends 2024 // The Global Indie InsightsSocial Media Marketing Trends 2024 // The Global Indie Insights
Social Media Marketing Trends 2024 // The Global Indie Insights
 
Trends In Paid Search: Navigating The Digital Landscape In 2024
Trends In Paid Search: Navigating The Digital Landscape In 2024Trends In Paid Search: Navigating The Digital Landscape In 2024
Trends In Paid Search: Navigating The Digital Landscape In 2024
 
5 Public speaking tips from TED - Visualized summary
5 Public speaking tips from TED - Visualized summary5 Public speaking tips from TED - Visualized summary
5 Public speaking tips from TED - Visualized summary
 
ChatGPT and the Future of Work - Clark Boyd
ChatGPT and the Future of Work - Clark Boyd ChatGPT and the Future of Work - Clark Boyd
ChatGPT and the Future of Work - Clark Boyd
 
Getting into the tech field. what next
Getting into the tech field. what next Getting into the tech field. what next
Getting into the tech field. what next
 
Google's Just Not That Into You: Understanding Core Updates & Search Intent
Google's Just Not That Into You: Understanding Core Updates & Search IntentGoogle's Just Not That Into You: Understanding Core Updates & Search Intent
Google's Just Not That Into You: Understanding Core Updates & Search Intent
 
How to have difficult conversations
How to have difficult conversations How to have difficult conversations
How to have difficult conversations
 
Introduction to Data Science
Introduction to Data ScienceIntroduction to Data Science
Introduction to Data Science
 
Time Management & Productivity - Best Practices
Time Management & Productivity -  Best PracticesTime Management & Productivity -  Best Practices
Time Management & Productivity - Best Practices
 
The six step guide to practical project management
The six step guide to practical project managementThe six step guide to practical project management
The six step guide to practical project management
 
Beginners Guide to TikTok for Search - Rachel Pearson - We are Tilt __ Bright...
Beginners Guide to TikTok for Search - Rachel Pearson - We are Tilt __ Bright...Beginners Guide to TikTok for Search - Rachel Pearson - We are Tilt __ Bright...
Beginners Guide to TikTok for Search - Rachel Pearson - We are Tilt __ Bright...
 
Unlocking the Power of ChatGPT and AI in Testing - A Real-World Look, present...
Unlocking the Power of ChatGPT and AI in Testing - A Real-World Look, present...Unlocking the Power of ChatGPT and AI in Testing - A Real-World Look, present...
Unlocking the Power of ChatGPT and AI in Testing - A Real-World Look, present...
 
12 Ways to Increase Your Influence at Work
12 Ways to Increase Your Influence at Work12 Ways to Increase Your Influence at Work
12 Ways to Increase Your Influence at Work
 
ChatGPT webinar slides
ChatGPT webinar slidesChatGPT webinar slides
ChatGPT webinar slides
 
More than Just Lines on a Map: Best Practices for U.S Bike Routes
More than Just Lines on a Map: Best Practices for U.S Bike RoutesMore than Just Lines on a Map: Best Practices for U.S Bike Routes
More than Just Lines on a Map: Best Practices for U.S Bike Routes
 
Ride the Storm: Navigating Through Unstable Periods / Katerina Rudko (Belka G...
Ride the Storm: Navigating Through Unstable Periods / Katerina Rudko (Belka G...Ride the Storm: Navigating Through Unstable Periods / Katerina Rudko (Belka G...
Ride the Storm: Navigating Through Unstable Periods / Katerina Rudko (Belka G...
 
Barbie - Brand Strategy Presentation
Barbie - Brand Strategy PresentationBarbie - Brand Strategy Presentation
Barbie - Brand Strategy Presentation
 
Good Stuff Happens in 1:1 Meetings: Why you need them and how to do them well
Good Stuff Happens in 1:1 Meetings: Why you need them and how to do them wellGood Stuff Happens in 1:1 Meetings: Why you need them and how to do them well
Good Stuff Happens in 1:1 Meetings: Why you need them and how to do them well
 
Introduction to C Programming Language
Introduction to C Programming LanguageIntroduction to C Programming Language
Introduction to C Programming Language
 

178

  • 1. ABCDEFG 178 الكون تأليف :د.كارل ساغان ترجمة :نافع أيوب لبّس مراجعة:محمد كامل عارف X¹uJ« ‡ »«oeü«Ë ÊuMH«Ë WUI¦K wMÞu« fK:« U¼—bB¹ W¹dNý WOUIŁ V² WKKÝ cab
  • 2. X¹uJ« ‡ »«oeü«Ë ÊuMH«Ë WUI¦K wMÞu« fK:« U¼—bB¹ W¹dNý WOUIŁ V² WKKÝ صدرت السلسلة في يناير ١٩٧٨ بإشراف أحمد مشاري العدواني ١٩٢٣ ـ ١٩٩٠ ABCDEFG acb 178 الكون تأليف :د.كارل ساغان ترجمة :نافع أيوب لبس مراجعة :محمد كامل عارف dÐu²√ 1993
  • 3. ا واد ا نشورة في هذه السلسلة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي اﻟﻤﺠلس
  • 4. M M M M ماذا قيل عن كتاب الكون? ٧ مقدمة ١١ الفصل الأول: شواطيء المحيط الكوني ١٩ الفصل الثاني: صوت واحد في الترنيمة الكونية ٣٥ الفصل الثالث: الجنة والجحيم ٥٩ الفصل الرابع: أغان حزينة للكوكب الأحمر ٨٩ الفصل الخامس: قصص ا سافرين ١٢٥ الفصل السادس: السفر في ا كان و الزمان ١٥١ الفصل السابع: حياة النجوم ١٧٣ الفصل الثامن: حافة الأبدية ٢٠١ الفصل التاسع: موسوعة اﻟﻤﺠرات ٢٢٧
  • 5. M M M M الفصل العاشر: من يتكام باسم الأرض ? ٢٥١ الهوامش ٢٧٩ ا Fؤلف في سطور ٢٩١
  • 7. ماذا قيل عن كتاب الكون ? علـقـت مـجـلـة »ذي كـريـسـتـيـان سـيـانـس The) « 7 Christian Science ) على هذا الكتاب بقولها: »شهد العالم ذلك ا Fسـلـسـل الـتـلـفـزيـونـي غـيـر الـعــادي الــذي بــثــتــه مــعــظــم مــحــطــات الإرســال التلفزيونية العامة وأثار اهتـمـام عـشـرات ا Fـلايـ Q من ا Fشاهدين ليس بأعاجيب الفضاء فحسب V بل بإدراك وفهم أعمق ا Fسائل العلمية ا Fتعلقة بطبيعة العالم V وأصله وبالحياة والجنس الـبـشـري. ولـيـس كتاب »الكون « لكـارل سـاغـان مـجـرد نـص مـكـتـوب للمسلسل التلفزيوني V بل هو قصة كاملة تعبـر فـي أغلبها V وبتسلسل زمني دقيق V عن الجهود البشرية الكبيرة في الانجاز العلمي. ويعطي هـذا الـكـتـاب V القارىء فرصة اكتشاف العالم في العمق.. ويجعل من كتابات هـ. ج ويلز وجول فيرن مجرد كلام عادي ومبتذل. « وعلقت صحيفـة »شـيـكـاغـو تـربـيـون Chicago) « Tribune ) Yا يلي: »لم oـض سـوى بـضـع سـنـوات.. حـتـى أصـبـح ساغان »مستر علم V« أي ذلك الرجل المحترم علـى مستوى القاعدة الشعبية الواسعة القادر على الربط ب Q مادة الحياة وتاريخها من ناحية واتساع الكون والخلود من ناحية ثانية V وهو يفعـل ذلـك بـتـنـاسـق وحيوية يقنعانك-وإن مؤقتا على الأقل-بأن شيئا آخر لا yكن أن يكون أكثر اثارة أو أكثر أهمية .« ماذا قيل عن كتاب »الكون ?«
  • 8. الكون وقالت »نيوز داي (News Day) « »إن ساغان هو فلكي ينظـر بـعـ Q إلـى الـنـجـوم V وبـأخـرى إلـى الـتـاريـخ V وبثالثة هي عقله الى الطبيعة الإنسانية.. ونحـن نـعـجـب بـه كـثـيـرا بـسـبـب طموحه ومعرفته الواسعة وأحيانا بسبب روعة أسلوبه في الكتابـة وغـالـبـا بسبب ما يثير فينا من ذهول نحو عا Fنا وأنفسنا .« أما صحيفة »ذي سان دييغو يونيون The San Diego Union) « ) فقد قالت مايلي: »عمل رائع في العلم الشعبي V ومشحون بجرعة غير عادية من الخيـال والتصور « وقالت مجلة »جون باركهام ريفيوز (John Barkham Reviews) « »يعرف ساغان oاما كيف يثير خيال القارىء العـادي ويـسـتـحـوذ عـلـى اهتمامه من الصفحة الأولى حتى الصـفـحـة الأخـيـرة.. وهـذا هـو الـكـتـاب الذي يفتح أذهاننا ويأخذنا معه في أجمل الرحلات V وهو مكتوب بأسلوب رائع وموضح الى حد مدهش. وعموما فحتى القارىء الذكي يجب أن يقرأ قـصـة سـاغـان عـن الـكـون ويهتم بها V ويتعلم منها ويستوعبها بعمق « وقالت »ذى أميركان راشناليست (The American Rationalist) « »رائع.. وإن بحث ساغان هذا عن الإنسان في الطبيعة خال من الوهم والتشاؤم وهو تصور مفحم « ولكن ماذا قيل عن مسلسل »الكون « التلفزيوني? قالت جامعة ولاية اوهايو الأميركية التي منحت الجائزة السنوية للتفوق التلفزيوني: شوهد ا Fسلسل الذي استقطب أكـبـر عـدد مـن ا Fـشـاهـديـن فـي تـاريـخ العروض التلفزيونية العامة الأميركية V وا Fعروف بـ »الكون « من قبل أكثر من مئتي مليون إنسان في أكثر من ست Q بلدا. ور ‚ا يكون مسلسل »الكون « الإسهام الأكثر أصالة و oيزا ب Q البرامج التلفزيونية التي قدمت خلال السنوات الثلاث ا Fاضية.. فهو متفوق في كل مستوياته V وهو يوحي-بالإضافة إلى كونه يقدم ا Fتعة والتعليم والأنباء والإثارة- بالاهتمام الكبير بوضوح الفكر والعلم.. وبالاحتـرام الاسـتـثـنـائـي لجـمـهـور 8
  • 9. ماذا قيل عن كتاب الكون ? 9 ا Fشاهدين. إن مسلسل »الكون « هو نصر للدكتور ساغان وللبرامج التلفزيونية العلمية V وللشعب الأميركي. وقال رئيس تحرير صحيفة »واشنطن بوست (Washington Post) « »ان مسلسل « الكون يفي بوعد أنصار التلـفـزيـون الـذيـن كـانـوا يـقـولـون دائما: إنه yكن استخدام الأساليب التقنية لإغناء معلومات ا Fشاهدين دون إزعاجهم V وبتقد … ا Fزيد من ا Fرح والألعاب لهـم.. وهـو يـعـطـيـك مـقـيـاسـا جديدا yكنك أن تحكم بوساطته على سائر البرامج التلفزيونية. وكذلك قال مانح جائزة جورج فوستر بيبودي للبرامج التلفزيونية ا Fتفوقة ما يلي: »مثير للاهتمام والفضول والبهجة.. وهو-أي مسلسل »الكون «- yثل نجاحا فوريا لأولئك الذين يتطلعون إلى الجودة الحقيقية في التلفزيون .« ويقول آخرون عن هذا الكتاب ما يلي: الناشر: هذا الكتاب هو الأكثـر مـبـيـعـا فـي ١٢ بلدا. بيعت مـنـه خـمـسـة ملاي Q نسخة فـي ٨٠ دولة V وهو الأكثر مبيعـاً أيضا ب Q كل الكتب العلمـيـة التي نشرت حتى الآن باللغة الإنكليزية V وبقي الكتاب الأكثر مبيعـا Fـدة ٧٠ أسبوعا في لائحة الكتب الأكثر مبيعا في صحيفة »نيويورك تا yز .« - قسم مراجعة الكتب في صحيفة »نيويورك تا yز «: كتاب جذاب واسع الخيال مشوق للقراءة ومتنوع. صحيفة »ميامي هيرالد (Miami Herald): « »مثير للإعجاب في مجالات أبحاثه وفي اقتراحاتـه وهـو يـدفـعـنـا إلـى الدهشة.. ونحن نشك فيما اذا كان أي إنسان قادرا على أن يفك نفسه من براثن هذا الكتاب في اللحظة التي يقع فيها عليه V وبالتالي لا يبقى له خيار سوى الاستسلام. - ا Fسؤول عن الرد على الشكاوي في كليفلاند: كتاب »الكون « هو اشبه ما يكون ‚نهج دراسي علمي في كلية ما V كان بودك أن تدرسه ولكنـك لـم تستطع ايجاد الأستاذ الذي yكنه أن يعلمك إياه V انه رائع V فساغان يكتب بأسلوب جميل.. يتسم بالحماس والعاطفة ويكاد يلامس كل جوانب ا Fعرفة الإنسانية V وهو كتاب رائع جدا في دقته وواقعيته.
  • 11. مقدمة كانت أغلب الأحداث الدنيوية في أحاديث الناس وعاداتهم في الأزمنة القد yة مرتبـطـة بـالأحـداث الكونية الكبيرة V ولعل ا Fثال ا Fثير فـي هـذا اﻟﻤﺠـال هو التعويذ V ضد الدودة التـي كـان الآشـوريـون فـي عام ألف قبـل ا Fـيـلاد يـرون فـيـهـا سـبـب الألـم فـي الأسنان. تبدأ التعويذة من نشوء الكون وتختتم بعلاج ألم الأسنان. 11 فبعد أن خلق آنو ( Anu ) السماء V وخلقت السماء الأرض V وخلقت الأرض الأنهار V وخلقت الأنهار الأقنية V وخلقت الأقنية V ا Fستنقعات V وخلقت ا Fستنقعات الدودة V ذهبت الدودة باكية إلى شاماس V وانهالت دموعها أمام أيا قائلة: »ماذا ستقدم إليّ من غذاء? V وماذا ستقدم إليّ من شراب .?« »سأعطيك الت Q اﻟﻤﺠفف وا Fشمش .« »ماذا تعني لي هذه الأشياء V الت Q اﻟﻤﺠفف وا Fشمش?! « ارفعني ودعنى أعش ب Q الأسنان وعلى اللثة!.. لأنك كنت قد قلت: أيتها الدودة V فليعضك »ايا « بقوة يده! V (تعويذة ضد ألم الأسنان) V مقدمة
  • 12. الكون وعلاجك هو: الجعة من الدرجة الثانية.. والزيت الذي oزجينه معها V وتقرئ Q التعويذة ثلاث مرات V ثم تضع Q الدواء على الأسنان. كان أسلافنا متشوق Q إلى فهم العالم ولكنهم لم يعثروا على الطريـقـة وتخيلوه عا Fا صغيرا طريفا ومنسقا تتألف القوى القاهرة فيه من آلهة مثل آنووايا وشاماش. وفي هذا العالم أدى البشر دورا مهما ان لم يكن رئيـسـا وكانت معالجة ألم الأسنان بجعة من الدرجة الثانية مرتبطة بأعمق الأسرار الكونية. أما الآن فقد اكتشفنا طريقة فعالة ورائعة لفهم العالم وهي العلم الذي كشف لنا عا Fا مغرقا في القدم وواسعا لدرجة بدت معها الشؤون الإنسانية للوهلة الأولى ذات أهمية قليلة V فقد ابتعدنا في نشأتنا عن الكون الذي بدأ بدوره بعيدا جدا وغير مرتبط باهتماماتنا اليومية V ولكن العلم اكتشف ان العالم لا يتسم فحسب بالعظـمـة ا Fـذهـلـة أو بـإمـكـان فـهـم الإنـسـان لـه بـل اكتشف أيضا أننا نشكل V ‚عنى حقيقي عميق V جزءا من هذا الكون الذي ولدنا منه ويرتبط مصيرنا به بشكل عميق فأكبر الأحداث الإنسانية وأقلها أهمية هي ذات جذور مرتبطة بالعالم وكيفية نشوئه وهذا الكتاب مـكـرس لاكتشاف هذا الأفق الكوني. كنت في صيف عام ١٩٧٦ وخريفه-بوصفي عضوا في فريق مركبة التصوير (فايكنغ) ا Fعدة للذهاب إلى ا Fريخ-قد انهمكت V مع مئة من زملائي العلمي Q في اكتشاف هذا الكوكب واستطعنا آنذاك لأول مرة في تاريخ الإنسان أن نرسي مركبت Q فضائيت Q على سطح عالم آخر. كانت النتائج التي ستوصف بتفصيل أكثر في الفصل الخامس من هذا الكتاب رائعة V والأهمية التاريخية لهذه ا Fهمة واضحة oاما. ومع ذلك لم يكن الرأي العام يعلم شيئا عن هذه الأحداث العظيمة V فالصحافة لم تعرها اهتماما كافيا وتجاهل التلفـزيـون ا Fهمة كلها تقريبا. وعنـدمـا اتـضـح أنـه لا يـوجـد جـواب حـاسـم عـن وجـود الحياة على ا Fريخ تضاءل الاهتمام أكثر V اذ لم يكن هناك تقبل كاف للغموض وعندما وجدنا أن سماء ا Fريخ oيل إلى اللون الأصـفـر الـوردي خـلافـا Fـا أعلن سابقا عن لونه الأزرق هللت جوقة مرحة من الصحفي Q اﻟﻤﺠـتـمـعـ Q 12
  • 13. مقدمة الذين ارادوا أن يكون ا Fريخ حتي في هذا اﻟﻤﺠال مشابها للأرض V واعتقد هؤلاء أن قراءهم سيكونون أقل اهتماما اذا ماعرفوا أن ا Fريخ أقـل شـبـهـا بالأرض. وبرغم ذلك فان ا Fناظر الطبيعية في ا Fريخ كانت مـذهـلـة. وكـان افقه ساحرا V وكنت متأكدا في ضوء خبرتي الشخصية من أن هناك اهتماما عا Fيا كبيرا باكتشاف الكواكب. وبالكثير من ا Fواضيع الـعـلـمـيـة ا Fـشـابـهـة V كأصل الحياة والأرض والكون والبحث عن كائنات عاقلة خارج كرتنا الأرضية وروابطنا بالكون وكنت متأكدا أيضا أن هذا الاهتمام yـكـن أن يـثـار بـقـوة عبر تلك الوسيلة الأكثر فعالية من ب Q وساثل الإعلام V وأعني بها التلفزيون. كان يشاطرني هذا الشعور رجل يتمتع بقدرات تنظيمية غير عادية V هو ب. جنتري لي ( B.Gentry Lee ) مدير تخطيط ا Fهام وتحليل معطيات مركبة فايكينغ الفضائية وقررنا نحن الاثنان بجرأة أن نفعل شيئا ما بـشـأن هـذه ا Fشكلة. فاقترح »لي « أن نكوّن شركة انتاج تكرس جهودها لنقل العلم إلـى الناس بطرقة مشوقة وسهلة وفي الأشهر القليلة التي تلت ذلك عرض علينا عدد من ا Fشاريع ولكن أهمها كان استبيانا أشرفت عليه مؤسسة الإذاعـة العامة ( Kcet ) في لوس أنجليس. وفي نهاية ا Fطاف اتفقنا معا علـى إنـتـاج مسلسل تلفزيـونـي مـن ( ١٣ ) حلقة يكون ذا توجه فلكي V ولكـن يـشـمـل أفـقـا إنسانيا واسعا جداً. كان الهدف من هذا ا Fسلسل هو أن يتوجه إلى الجمهور الواسع من ا Fشاهدين V وأن يكون مذهلا ‚شاهـده ومـوسـيـقـاه ويـسـتـحـوذ على القلوب والعقول معا. وتكلمنا إلى كتاب السيناريو واستأجرنـا اﻟﻤﺨـرج ا Fنفذ V لنجد أنفسنا في خضم مشروع yتد العمل فيه ثلاث سنوات ويعرف ‚شروع أو مسلسل »الكون « وقد بلغ عدد مشاهدي هذا الـبـرنـامـج V حـتـى ساعة كتابة هذا الكتاب أكثر من مئتي مليون إنـسـان أو مـا يـعـادل ٥ با Fئـة تقريبا من مجموع سكان الـكـرة الأرضـيـة. وقـد ارتـكـز هـذا ا Fـشـروع عـلـى الإ yان بالافتراض القائل ان الجمهور أكثر ذكاء إلى حد بعيد ™ا اعتقـد في السابق V وأن أعمق ا Fسائل العلمية ا Fتعلقة بطبيعة العالم وأصله تـثـيـر اهتمامات وانفعالات أعداد كبيرة جدا من الناس.. والواقع أن العصر الراهن هو مفترق طرق هام أمام حضارتنا ور ‚ا أمام نوعنا البشري. ومهما كـان الطريق الذي سنختاره فإن مصيرنا مرتبط بالعلم. ومن هنا فمن الضروري أن نفهم العلم باعتبـاره أمـراً يتوقف عليه بقاؤنا. وفضلا عن ذلك فـالـعـلـم 13
  • 14. الكون متعة V وقد شاء لنا التطور أن نجد متعة في الفهـم إذ إن مـن يـفـهـمـون هـم الأكثر قدرة على البقاء. وهكذا فان مسلسل »الكون « التلفزيوني وهذا الكتاب yثلان تجربة زاخرة بالأمل في مجال نقل أفكار العلم وطرائقه ومتعه. لقد تطور الكتاب وا Fسلسل التلفزيوني معا V و ‚عنى ما V فان كلا منهما يعتمد على الآخر. فالعديد من التفسيرات في هـذا الـكـتـاب يـعـتـمـد عـلـى ا Fشاهد ا Fذهلة التي حضرت مـن أجـل ا Fـسـلـسـل. ولـكـن لـكـل مـن الـكـتـب وا Fسلسلات التلفزيونية جمهور يختلف إلى حد ما عن جمهور الآخر V كما أن لكل منها أساليبه اﻟﻤﺨتلفة عن الآخر. وإحدى ا Fزايا الكبرى للكتاب هي أنه yكن للقارىء أن يعود مرارا إلى النقاط ا Fبهمة أو الصعبة V وهذه ميزة لم تبدأ في التوافر للتلفزيون إلا في الوقت الراهن بوجود أجهزة الفيـديـو وتكنولوجيا تسجيل البرامج على أشـرطـة أو أسـطـوانـات. كـمـا أن الحـريـة التي يتمتع بها ا Fؤلف في اختيار مدى ا Fوضوعات. وعمقها في أحد فصول الكتاب V أكبر بكثير ™ا هو متاح في حلقات التلفزيون غير التجارية الـتـي يتقيد ا Fرء فيها بزمن لايتجاوز ٥٨ دقيقة و ٣٠ ثانية لذلك فإن هذا الكتاب يتعمق في العديد من ا Fواضيع بدرجة أكبر ™ا تفعله ا Fسلسلات التلفزيونية. هناك مواضيع نوقشت فيه ولم تعالج في ا Fسلسل التـلـفـزيـونـي V والـعـكـس صحيح أيضا. وعلى سبيل ا Fثال فإن العرض الواضح للتقو … الكوني الذي تضمنه ا Fسلسل التلفزيوني V لا يظهر هنا لأسباب تعود في جزء منهـا إلـى أنني ناقشت موضوع هذا التقو … في كتابي »تنان Q (جمع تن Q) عدن The) « Dragons Of Eden ) وفـي ا Fـقـابـل فـانـا لا أنـاقـش هـنـا حـيـاة روبـرت غـودارد بالتفصيل لانه يوجد فصل كـامـل عـنـه فـي كـتـابـب »دمـاغ بـروكـا Broca‘s) « Brain ). ولكن كل حلقة في ا Fسلسل التلفـزيـونـي تـنـاظـر بـقـدر مـعـقـول مـن الدقة الفصل ا Fقابل لها في الكتاب V واني لأ oنى أن تتضاعف ا Fتعة التي يجدها ا Fرء في أحدهما بالرجوع إلى الآخر. ومن أجل الوضوح فقد كررت الفكرة الواحدة في عدد من الحالات غير مرة V مفسرا اياها قليلا في ا Fرة الأولى ومتعمقا أكثر في ا Fرات الأخـرى. حدث ذلك على سبيل ا Fثال في التعريف با Fوضوعات الكونية في الفصـل الأول والتي أعيد تدقيقها بالتفصيل فيما بعد V أو في مناقـشـة الـتـحـولات الاحيائية والانز yات والأحماض النووية في الفصل الـثـانـي. وفـي حـالات 14
  • 15. مقدمة 15 قليلة قدمت بعض ا Fفاهيم حسب تسلسلها التاريخي. و ‚ا أن العلم لا yكن فصله عن سائر الجهـود الإنـسـانـيـة V فـلا yـكـن مناقشته دون التطرق V بشكل عابر أحيانا V وأحيانا أخرى بتمعن أكبر V إلى عدد من القضايا الاجتماعية والسياسية والدينية والفلسفية. وحتى عندما كنا نصور حلقات تلفزيونية Fسلسل علـمـي V فـإن الاهـتـمـام الـعـا Fـي الـبـالـغ بالنشاط الحربى قد فرض نفسه بقوة V فعلى سبيل ا Fثال V عندما كنا نقوم بتصوير فيلم عن اكتشاف كوكب ا Fريخ في صحراء موهاف Mohave Desert التي تشبه طبيعتها طبيعة كوكب ا Fريخ V مستخدم Q œوذجا ™اثلا Fركبة فايكينغ V فقد كان السلاح الجوي الأميركي يتدخل مـرارا فـي عـمـلـنـا وهـو يتدرب على قصف موقع قريب. وفي مدينة الأسكندرية ‚صر كان فندقنا يتعرض لطلعات قصف تدريبي تقوم بها طائرات القوة الجوية ا Fصرية. أما في ساموس باليونان فقد سحب الإذن بالـتـصـويـر فـي كـل الأمـاكـن وحـتـى اللحظة الأخيرة بسبب مناورات حلف الناتو ومـا كـان يـتـصـل بـهـا كـمـا هـو واضح من أعمال انشائية شملت مواقع ا Fدفعية والدبابات تحت الأرض أو في التلال. وفي تشيكوسلوفاكيا أثارت الأجهزة اللاسلـكـيـة الـيـدويـة الـتـي استخدمناها لتنظيم مواقع التصوير في طريق ريفي انتباه إحدى مقاتلات القوة الجوية التشيكوسلوفاكية V فحومت فوق رؤوسنا ولم تنصرف إلا بعد أن أكدنا للطيار أننا لا نشكل أي تهديد للأمن القومي لبلاده. وكان رجـال أجهزة الأمن في كل من اليونان ومصر وتشيكوسلوفاكيا يرافقون مصوري فيلمنا أينما ذهبوا. ولم تلق الترحيب الاستـقـصـاءات الأولـيـة عـن تـصـويـر حياة رائد علم الفضاء الروسي كونستانت Q تسيـولـكـوفـسـكـي فـي مـسـقـط رأسه في كالوغا لأن محاكمات ا Fنشق Q كانت ستجرى في تلك البلدة V علما أننا لم نعرف ذلك إلا في وقت لاحق وعلى رغم ذلك فقد لقـي مـصـورونـا ترحيبا في كل بلد زرناه مع أن الوجود العسكري في كل مكـان مـن الـعـالـم والخوف ا Fستوطن في قلوب الشعوب كانا يشكـلان حـاجـزا أمـامـنـا ايـنـمـا توجهنا. وقد عززت التجربة عزمي على التعامل كلما كان ذلك ملائما مـع ا Fسائل الاجتماعية سواء في ا Fسلسل أو الكتاب. ولأن العلم عملية مستمرة لا تنتهي أبدا وليست هناك أي حقيقة نهائية yكن أن تنجز ثم يستطيع العلماء بعدها أن يحطـوا الـرحـال ويـسـتـريـحـوا
  • 16. الكون فالعالم أكثر امتاعا سواء بالنسبة للعلماء أو Fلاي Q الناس الذيـن يـهـتـمـون بعمق V وإن لم يكونوا علماء محترف Q بطرائق العلم واكتشافاته. وهكذا فإذ لا يوجد الا القليل ™ا تقادم عليه الزمن في كتاب »الكون « منذ أن ظهرت طبعته الأولى نجد أنه أصبح هناك الكثير من الاكتشافات الجديدة الهامة. فا Fركبتان الفضائيتان »فواياجير- » «١ وفواياجير- «٢ التقتا بكوكب زحـل واكتشفتا الكثير من الأشياء ا Fذهلة عنه V وعن نظام الحلقات الهش المحيط به وعن ذلك الحشد الكبير من الأقمار الدائرة حـولـه ولـعـل أكـثـرهـا إثـارة للاهتمام هو تيتان الذي يعرف عنه الآن أن الجو المحيط به أشبه ما يكون بجو الأرض في بداية تشكله فهو عبارة عن طـبـقـة مـن الـضـبـاب الـكـثـيـف مؤلفـة مـن جـزيـئـات عـضـويـة مـعـقـدة V ور ‚ـا يـغـطـي سـطـحـه مـحـيـط مـن الهيدروكربونات السائلة.. وجرت أخيرا مراقبة حلقات الحـطـام المحـيـطـة بالنجوم الفتية (حديثة النشوء) وقد تكون هذه الحلقات في مرحلة التجمع والاندماج التي تنتهي إلى تشكل كواكب جديدة V الأمر الذي يوحـي بـوجـود عدد كبير جدا من هذه الكواكب ب Q نجوم مجرة درب اللـبـانـة( ×). وعموما فقد وجد أن الحياة تنشأ بشكل غير متوقع في مركبات الكبريت في الفجوات ذات الحرارة ا Fرتفعة جدا في قاع محيطات كرتنا الأرضية. وتجمعت دلائل جديدة توحي أن ا Fذنبات تدفع دوريا بعض محتوياتها بشكل رذاذ إلى داخل النظام الشمسي ™ا يؤدي إلى انقراض الكثير من أنواع الكـائـنـات الحـيـة على الأرض وكذلك اكتشف أن مناطق كبيرة في الفضاء الفاصل ب Q اﻟﻤﺠرات اختفت وانضمت غالبا إلى هذه اﻟﻤﺠرات وقد رئي أيضا أن مكونات جديدة وهامة من الكون تندفع بسرعة إلى مصيرها النهائي. وتستمر مسيرة الاكتشافـات فـمـركـبـات الـفـضـاء الـيـابـانـيـة والأوروبـيـة والسوفيتية سوف تلتقي( ٢× ). ‚ذنب هالي في عام ١٩٨٦ . وسوف يطلق إلى الفضاء قبل نهاية هذا العقد (حدث ذلك) التلسكوب الفضائـي الأمـيـركـي (ا Fنظار ا Fقرب أو ا Fقراب) علما أنه يعد أكـبـر مـرصـد يـدور حـول الأرض حتى الآن وكذلك ستتاح فرص هامة لإرسـال بـعـثـات فـضـائـيـة إلـى ا Fـريـخ وا Fذنبات الأخرى والكويكبات ا Fوجودة ب Q ا Fريخ وا Fشترى V ولا سيما إلى القمر تيتان الذي يدور حول زحل. ثم أن مركبة الفضاء الأميركية غاليليو Galileo) ) التي ستصل إلى كوكب ا Fشتري في عام ١٩٨٨ (وصلت فعلا) معدة 16
  • 17. مقدمة لإسقاط أول مسبار يدخل إلى جو هذا الكوكب العملاق. ولكن هناك الجانب ا Fظلم أيضا Fسيرة الاكتشافات العلمية V فالأبحاث الحديثة تشير إلى أن ما ينتج من الحرب النووية من سخام وغـبـار سـوف يـرتـفـع فـي الجـو مـسـبـب الظلام والتجمد على الأرض ومؤديا إلى كارثة لا مثيل لها من قبل حتى في الدول التي لن تتعرض لقنبلة واحدة. وعموما فان التكنولوجيا التي أصبحت بحوزتنا تسمح لنا باطراد بكشف أعاجيب الكون V ولكنها تعمل في الـوقـت ذاته على تحويل الأرض إلى حالة الاختلاط أو التشوش الكامل التي يفترض أنها كانت تسود فيها قبل تكونها. اننا نتمتع بامتياز العيش على هذه الأرض وإذا ساعدنا الحظ فسوف نؤثر في واحدة من أحرج مراحل تاريخ الجنس البشري. يستحيل علي في هذا ا Fشروع الضخـم أن أشـكـر كـل مـن سـاهـم فـيـه V ومهما يكن من أمر فإني أود أن أوجه الشكر بشكل خاص إلى ب. جنتري لي والذين عملوا في انتاج مسلسل »الكون « ‚ن فيهم ا Fنـتـجـان الـكـبـيـران جيوفري هاينز-ستايلز ودافيد كينارد وا Fنتج ا Fنفذ إدريان مالون والفنانون جون لومبرغ (الذي أدى دورا حساسا في تصميم وتنظيم ا Fشاهد الخارجية Fسلسل الكون) وجون أليسون وأدولف تشالر ودونالد غولد سمـيـث وأويـن جينجريـتـش وبـول فـوكـس وديـان أكـرمـان وكـامـيـرون بـيـك وإدارة مـؤسـسـة KCET) ). كما أخص بالشكر غريك اندورفر الذي كان أول من حمل اقتراح هذه ا Fؤسسة الينا »وشاك آلن « ووليام لامب وجيمس لوبر ومتعهدي مسلسل »الكون « ومنتجيه وشركة ريتشفيلد الأطلسية وهيئة الإذاعة العامة ومؤسسات ارتر فاينينغ ديفيس ومؤسسة الفرد ب. سلون وهيئة الإذاعة الـبـريـطـانـيـة ومؤسسة بوليتل الدولية. أما الآخرون الذين ساعدوا في القاء الضوء على الحقائق وطرائق اثباتها فقد سجلت اسماؤهم في احدى الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب. ولكني اتحمل وحدي ا Fسؤولية النهائية عن مضمون هذا الكتاب. واشكر أيضا العامل Q في راندوم هاوس ولا سيما المحررة آن فريدغود على عملهم الدؤوب وصبرهم في تلك الأوقات التي ظهر فيها التعارض ب Q مواعيد انجاز العمل في ا Fسلسل التلفزيوني والكتاب ثم انني مدين بالشكر لـ شيرلي آردن مساعدتي ا Fنفذة على طبعها ا Fسودات الأولى لهذا الكتاب 17
  • 18. الكون على الآلة الكاتبة وعلى اشرافها على النماذج ا Fطبوعة خلال مراحل إنتاجه كلها V مستخدمة في ذلك كل مهاراتها ا Fعهودة وتلك هي واحـدة فـقـط مـن الطرائق الكثيرة التي استخدمتها في انجاز مشروع »الكون .« ور ‚ا لا استطيع أن أعبر عن شكري لإدارة جامعة كورنل التي منحتني إجازة سنت Q ونصف السنة Fلاحقة هذا العمـل ولـزمـلائـي وطـلابـي فـيـهـا ولزملائي في وكالة الفضاء الأميركية وفي »مختبر الدفع النفاث JPL « وفي فريق مركبات »فواياجير .« وأخيرا فأنا مدين جدا في كتابة »الكون « لـ آن درويان وستـيـفـن سـوتـر اللذين ساعداني في كتابة ا Fسلسل التلفزيوني وقد أسهما بشكل جوهري ومتكرر في الأفكار الرئيسة وارتباطها بالبيئة الـفـكـريـة الـعـامـة لـلأحـداث وفي روعة الأسلوب. وإني أشعر بالامتنان الكبير Fا قاما به من قراءة متأنية للنماذج الأولى من هذا الكتاب V وما قدماه من اقتراحات بناءة ومبدعة بشأن إعادة النظر في العديد من ا Fسودات وتنقيحها. وما أسهما به في تدقيق النص التلفزيوني الذي ترك بصماته بأشكال عدة على هذا الكتاب. ولعل ا Fتعة التي وجدتها في مناقشاتنا العديدة هي إحدى ا Fكافآت الرئيسة التي حصلت عليها من مشروع »الكون .« 18 إيتاكا ولوس أنجليس أيار (مايو) ١٩٨٠ و eوز (يوليو) ١٩٨٤
  • 19. شواطىء المحيط الكونى 19 شواطىء المحيط الكوني الـكـون هـو كـل مـا هـو مــوجــود ومــا وجــد ومــا سيوجد. وان أبـسـط تـأمـل لـنـا فـي الـكـون يـحـرك مشاعرنا فتمر قشعريرة في العمود الفقري V ويخفت الصوت ويسيطر إحساس بـالـدوار كـمـا فـي تـذكـر الأشياء البعيدة V أو السقوط من ارتفاع ما. فنحـن نعلم أننا نقترب من أعظم الأسرار. إن حجـم الـكـون وعـمـره خـارج إدراك الإنـسـان العادي. ففي مكان ما ب Q اتـسـاع الـفـضـاء وخـلـود الزمن يضيع كوكبنا ا Fعروف بالأرض V وفي ا Fنظور الكوني فإن كل الاهتمامات الإنسانية تبدو غير مهمة بـل بـائـسـة ومـع ذلـك فـان جـنـسـنـا الـبـشـري فــتــي وفضولي وشجاع وواعد. وفي الفترة الأخيرة ا Fمتدة عـدة آلاف مـن الـسـنـ Q اسـتـطـعــنــا أن نــصــل إلــى اكتشافات مذهلة وغير متوقعة عن الكون ومكاننـا فيه V وهي اكتشافات يبعث تـقـديـرهـا الـبـهـجـة فـي النفس. فهي تذكرنا أن الكائنات البشـريـة خـلـقـت لكي تفكر V وان الفهم متعة V وا Fعرفة شرط لاستمرار الحياة. وعموما فأنا شخصيا أظن أن مسـتـقـبـلـنـا يعتمد على مدى معرفتنا بالـكـون الـذي نـعـوم فـيـه كذرة غبار في السماء. تطلبت هذه الاكتشافات الشـك والخـيـال مـعـا. 1
  • 20. الكون فالخيال يحملنا غالبا إلى عوالم لم تكن موجودة قط V ولكننا لن نذهب دونه إلى أي مكان. أما الشك فيمكننا من التمييز ب Q الزائف والحـقـيـقـي ومـن اختبار أفكارنا. والكون غني دون حدود بالحقائق الرائعة والعلاقات ا Fتبادلة ا Fتقنة والوسائل الذكية لاكتشاف الأشياء التي تكتنفها الأسرار. إن سطح الكرة الأرضية هو شاطئ المحيط الكوني ومنه تعلمنا أغلب ما نعرفه Vومؤخرا نزلنا قليلا إلى البحر و ‚ا يكفي لتبليل أصابع أقدامنا فقط V أو ر ‚ا وصلت ا Fاء إلى رسغ القدم. ولكن ا Fاء يبدو جذابا V والمحيط يدعونا إليه وثمة جزء من كياننا يدرك أننا جئنا من هذا ا Fكان ونحن نشتـاق إلـى العودة. إن أبعاد الكون هي من الاتساع بحـيـث لا تجـدي مـعـهـا وحـدات قـيـاس ا Fسافة العادية كا Fتر والكيلو متر التي تستخدم عادة فـي كـرتـنـا الأرضـيـة وعوضا من ذلك فإننا نقيس ا Fسافة بـسـرعـة الـضـوء. فـفـي ثـانـيـة واحـدة يقطع شعاع الضوء ١٨٦ ألف ميل أو ٣٠٠ ألف كيلومتر تقريبا V أي يدور حول الكرة الأرضية سبع مرات ونصف ا Fرة V وهو يقطع ا Fـسـافـة بـ Q الـشـمـس والأرض في ثماني دقائق. و yكننا القول إن الشمس تبعد عنا مسافة ثماني دقائق ضوئيـة V وفـي سنة واحدة V يقطع الضؤ نحو عشرة تريليونـات (جـمـع تـريـلـيـون وهـو ألـف مليار) كيلومتر V أو زهاء ستة تريليونات ميل في الفضاء وهكذا فإن وحـدة الطول التي يقطعها الضوء في سنة واحدة V تدعـى سـنـة ضـوئـيـة V وهـي لا تقيس الزمن V بل ا Fسافات أو بالأخرى ا Fسافات الكبيرة جدا. والكرة الأرضية هي مكان لكنهـا لـيـسـت ا Fـكـان الـوحـيـد بـأي حـال مـن الأحوال وليست حتى ا Fـكـان الـنـمـوذجـي. ولا yـكـن لأي كـوكـب أو نجـم أو مجرة أن يكون œوذجيا لأن الكون فارغ في معظمه أما ا Fكـان الـنـمـوذجـي الوحيد فهو ا Fوجود في الفـراغ الـكـونـي الـبـارد والـواسـع V وهـو ذلـك الـلـيـل الأبدي في الفضاء الذي يفصل ب Q اﻟﻤﺠرات وهو مكان بالغ الغرابة ومقفر oاما V تبدو الكواكب والنجوم واﻟﻤﺠرات اذا ما قورنت به نادرة جدا ورائعة. واذا ما أدخلنا با Fصادفة في هذا الـفـضـاء الـكـونـي فـان احـتـمـال أن نجـد أنفسنا على أو قرب كوكب ما سيـكـون أقـل مـن واحـد فـي مـلـيـار تـريـلـيـون تريليون ( ١). 20
  • 21. شواطىء المحيط الكونى أي ٣٣١٠x١ أو الرقم ١ وعن yينه ٣٣ صفرا) وتعتبر هذه الأرقام لا صلة 21 لها بحياتنا اليومية. إنها لعوالم مهيبة. ولو افترضنا أننا وقفنا عند نقطة عليا تسمح لنا بأوسع أفق للرؤية ب Q اﻟﻤﺠرات فسوف نرى أجزاء متناثـرة مـن الـضـوء تـبـدو كـالـزبـد فـوق أمـواج الفضاء V وبأعداد لا تحصى V وتلك هي اﻟﻤﺠرات التي يجول بعضها وحيـدا أو معزولا بينما يشكل أغلبها عناقيد مجمعة V تتحرك معا مندفعة إلى مالا نهاية عبر الظلام الكوني الكبير ونرى أمامنا الكون في أكبر اتساع نعرفه V فنحن الآن في عالم الغيم السد yي الذي يبعد عن الأرض ثمانية مليارات سنة ضوئية V أي يقع في منتصف ا Fسافة إلى حافة الكون ا Fعروفة حاليا. وتتألف اﻟﻤﺠرة من غاز وغبار ونجوم يبلغ عددها مليارات ا Fليارات. وكل نجم منها yكن أن يكون شمسا لبعض الناس وتوجد في كـل مـجـرة نجـوم وعوالم V ور ‚ا تنتشر فيها أسباب الحياة والكـائـنـات الـذكـيـة والحـضـارات التي تسافر عبر الفضاء. ولكن اﻟﻤﺠـرة تـذكـرنـي مـن بـعـيـد ‚ـجـمـوعـة مـن الأشياء الرائعة كأصداف البحر V والأحجار ا Fرجانية وعجائب الطبيعة أو منتجاتها على مر الدهور في المحيط الكوني. يوجد مئة مليـار ( ١١١٠ ) مجرة V وفي كل منها مئة مليار نجم في ا Fعـدل V وهكذا يوجد في كل اﻟﻤﺠرات عدد من النجوم يبلغ تقريبا ١١١٠X١١١٠ = V٢٢١٠ أو عشرة مليارات تريليون V ومع وجود هذا العدد الكبير جدا من النجوم فلا هو احتمال أن يكون لنجم واحد منها وهو الشمس كوكـب مـسـكـون? و Fـاذا يجب أن نكون نحن-سكان الكرة الأرضية ا Fوجودين في زاوية مـنـسـيـة مـن الكون-على هذا القدر من الحظ? يبدو لي أن ثمة احتـمـالا أكـبـر أن يـكـون الكون زاخرا بالحياة ولكننا نحن البشر لا نعرف شيئا عن ذلك حـتـى الآن وقد بدأنا توا في اكتشافاتنا من مسافة ثمانية مليارات سنة ضوئية يصعب كثيرا أن نجد حتى عنقود أو مجموعة اﻟﻤﺠرات التي تنتمي إليهـا مـجـرتـنـا ا Fعروفة بدرب اللبانة ( The Milky Way ) فما بالك اذا أردنا التفتيش من هذه ا Fسافة الكبيرة عن الشمس أو عن الأرض. أن الكوكب الوحيد الذي نحن متأكدون من كونه مسكونا هو تلك البقعة الصغيرة جدا من الصخور وا Fعادن التي تشع بشكل خافت متأثرة بانعكاس ضوء الشمس عليها V والضائعة كليا على هذه ا Fسافة..
  • 22. الكون ولكن رحلتنا تأخذنا الآن إلى ما يحب الفلكيون على الأرض أن يدعـوه »مجموعة اﻟﻤﺠرات المحلية « وهي oتد إلى بضعة ملاي Q من السن Q الضوئية V وتتألف من نحو عشرين مجرة كاملة البنية وهي تـشـكـل عـنـقـودا مـتـنـاثـرا ومظلما وبسيطا. تعرف إحدى هذه اﻟﻤﺠرات بـ »م- V«٣١ وترى من الأرض في مـجـمـوعـة الأنـدرومـيـدا ( Andromeda ) وهـي تـتـألـف شـأنـهـا شـأن اﻟﻤﺠـرات الحلزونية الأخرى من حشد دائري هائل من النـجـوم ومـن الـغـاز والـغـبـار. وللمجرة »م- «٣١ تابعان صغيران هما عبارة عن مجرت Q إهليليجت Q صغيرت Q نسبيا V ترتبطان بها بوساطة الجاذبية V وذلك حسب القانون الفيزيائي الذي yنع سقوطي عن الكرسي الذى أجلس عليه. فقوان Q الطبيعـة هـي ذاتـهـا في كل أنحاء الكون وقد أصبحنا الآن على مسافة مليوني سنة ضوئية فقط من منزلنا الأرض. وراء اﻟﻤﺠرة »م- V«٣١ توجد مجرة أخرى ™اثلة لها وهـي مـجـرتـنـا الـتـي تدور أذرعها الحلزونية ببطء و ‚عدل مرة واحدة كل ربع مليار سنة. نحـن الآن على مسـافـة ٤٠ ألف سنة ضوئية من منزلنا ونجد أنفـسـنـا فـي حـالـة سقوط نحو ا Fركز الكثيف لدرب اللبانة V ولكن إذا رغبنـا فـي الـعـثـور عـلـى كرتنا الأرضية فيجب أن نغير مسارنا إلى الضواحي البعيدة ﻟﻤﺠرتنا أي إلى تلك ا Fنطقة ا Fظلمة قرب حافة الذراع الحلزونية البعيدة. ولكن الانطباع الذي يغمرنا كلية V حتى ونحن ب Q الأذرع الحلزونية مصدره ذلك الحشد الهائل من النجوم التي oر بنا وهي تشع ذاتيا ومـنـهـا مـا هـو رقيق كفقاعة الصابون لكنه كبير ويستطيع احتواء عـشـرة آلاف شـمـس أو تريليون كرة أرضية ومنها ما هو بحجم بلدة صغيرة وأكثف ‚ائة تريلـيـون مرة من الرصـاص. ومـنـهـا مـا هـو مـنـعـزل كـالـشـمـس ولأغـلـبـهـا مـرافـقـون وا Fنظومات مزدوجة عادة تتألف كل منها من نجم Q يـدور أحـدهـمـا حـول الآخر V لكن يوجد تدرج مستمر من ا Fنظومة الثلاثية النجوم حتى العنقـود أو اﻟﻤﺠموعة ا Fؤلفة من بضع عشـرات مـن الـنـجـوم وانـتـهـاء بـالـعـنـاقـيـد أو اﻟﻤﺠموعات الكروية الضخمة التي يوجد في كل منها مليون شمس ويـكـون النجمان في بعض ا Fنظومات ا Fزدوجة قريب Q أحدهما من الآخـر لـدرجـة أنهما يكادان يتلامسان وتنتقل مواد كل منهما إلى الآخر. ويكون هذان النجمان في أغلب ا Fنظومات ا Fزدوجة منفصل Q كما هـو 22
  • 23. شواطىء المحيط الكونى كوكب ا Fشتري بالنسبة إلى شمسنا. هناك بعض النجوم كالسوبر نوفـا ( ٢) تكون ذات اضاءة تعادل اضاءة كل اﻟﻤﺠرة التي تحتويها كما أن ثمـة نجـومـا أخرى هي الثقوب السوداء وهي غير مرئية حتى من مسافـة بـضـعـة كـيـلـو مترات. وهناك أيضا بعض النجوم التي تضيء بشكل مستمر V وبعض آخر يضيء بومضات تظهر وتختفي بوتيرة منتظمة. وكذلك فبعض النجوم يدور بإناقة رائعة V والبعض الآخر يدور بسرعة وبشكل محموم يشوه شكله فيصبح مفلطحا أو مسطحا عند القطب Q. وأغلب النجـوم تـنـشـر ضـوءهـا بـصـورة رئيسة بشكل موجات مرئية أو تحت الحمراء بينما تكون نجوم أخرى مصادر متألقة للأشعة السـيـنـيـة ( X-Rays ) أو ا Fوجات اللاسلكية. وتـكـون الـنـجـوم الزرقاء حارة وفتية والنجوم الصفراء تقليدية ومتـوسـطـة الـعـمـر والـنـجـوم الحمراء معمرة وتعاني ا Fوت والنجوم الصغيرة البيضاء أو السوداء تعانـي الاحتضار أو هي في الرمق الأخير. وتحتوي مجرتنا ا Fعروفة »بدرب الـلـبـانـة « عـلـى ٤٠٠ مليار نجم مـن كـل الأنواع تتحرك في تناسق معقد ومنتظم. ومـن كـل هـذه الـنـجـوم لا يـعـرف سكان كرتنا الأرضية حتى الآن سوى نجم واحد. وكل منظومة نجمية هي جزيرة في الفضاء تحجزها عن جيرانها السنوات الضوئية. و yكنني تخيل مخلوقات تستنتج نتفا من ا Fعـرفـة عـن عـوالـم لا تحصى وكل واحد منها يعتبر أولا كوكبه الضئيل والـشـمـوس الـقـلـيـلـة هـي العالم كله. فنحن نكبر في عزلة V ولا نتعلم ما هو الكون فـي مـجـمـوعـه إلا ببطء. yكن أن تكون بعض النجوم محاطة ‚لاي Q العوالم الصخرية العد yة الحياة V وا Fنظومات الكوكبية ا Fتجمدة في مرحلـة مـا مـن تـطـورهـا. ور ‚ـا yلك الكثير من النجوم منظومات كوكبية تشبه منظومتنا الشمسية V ففـي الأطراف كواكب غازية حلقية كبيرة وأقمار جليديـة وفـي الأمـاكـن الأقـرب إلى ا Fركز عوالم صغيرة وحارة وزرقاء يشوبها البياض ومـغـطـاة بـالـغـيـوم. وفي بعضها yكن أن تكون قد تطـورت حـيـاة ذكـيـة واعـادت بـنـاء الـسـطـح الكوكبي من خلال مشاريع هندسية شاملة. هؤلاء هم أخوتنا في الكون فهل هم مختلفون عنا? وما شكلهم? وما تركيبهم الكيماوي وتكوينهم العصـبـي? وما عندهم من التاريخ والسياسة والعلم والتكنولوجـيـا والـفـن وا Fـوسـيـقـى 23
  • 24. الكون والدين والفلسفة?. يوما ما ر ‚ا سنعرفهم. وصلنا الآن إلى حديقتنا الخلفية التي تبعد سنة ضوئية عن كرتنا الأرضية يحيط شمسنا حشد دائري من كرات ثلجيـة عـمـلاقـة مـؤلـفـة مـن الجـلـيـد والصخور والجزيئات العضوية وهي تشكل نوى ا Fذنبات. وب Q الفينة والآخرى يشد نجم مار من مكان بعيد بقوة جاذبة ضئيلة إحدى هذه النوى فتنحرف مرغمة نحو القسم الداخلي من النظام الشمسي V حيث تسخن بتأثير الشمس ويتبخر جليدها ويتشكل منها ذيل مذنب رائع. ها نحن نقترب من كواكب منظومتنا الشمسية ونرى عوالم كبيـرة تـقـع في أسر الشمس وتجبرها الجاذبية على اتباع مسارات شبه دائرية وتأخذ حرارتها بصورة رئيسة من ضوء الشمس فالكوكب بلوتو مغطى بجليد ا Fيتان V ويدور حوله قمره العملاق الوحيد تشارون V وهو مضاء بالشمـس الـبـعـيـدة التي تبدو مثل نقطة ضوء لامعة في سماء سوداء قا oة. تلى ذلك العوالـم الغازية العملاقة وهي نبتون واورانوس وكوكب زحل وهو جوهرة ا Fنظـومـة الشمسية وا Fشتري V وهذه كلها محاطة بأقطار متجمدة V وإلى الداخل من هذه الكواكب الغازية وجبال الجليد الدائرة حولها تأتي الكواكب الصخرية الحارة التي تشكل القسم الداخلي للمنظومة الشمسية. هناك على سبيـل ا Fثال الكوكب الأحمر ا Fعروف با Fريخ ذي البراك Q ا Fوجودة على ارتفاعات شاهقة والوديان الكبيرة ا Fتصدعة والعواصف الرملية التي تغطي أرجـاءه كلها ور ‚ا كان فيه بعض الأشكال البسيطة من الحياة. تدور كل الكـواكـب حول الشمس التي هي أقرب نجم الينا وهي جحيم من غازي الهيدروج Q والهليوم الداخل Q في تفاعلات نووية حرارية تغـمـر ا Fـنـظـومـة الـشـمـسـيـة بالضوء. وأخيرا نعود في نهاية تجوالنا إلى عا Fنا الضئيل والهش ذي اللون الأزرق ا Fتداخل مع الأبيض والضائع فـي مـحـيـط كـونـي ذي اتـسـاع يـفـوق أقـصـى تخيلاتنا. انه عالم من ب Q عوالم هائلة أخرى V وقد لا يبـدو كـبـيـرا إلا فـي نظرنا V وعموما فان كوكب الأرض هو بيتنا وبيت آبائنا وعلى سطحه نـشـأ جنسنا البشري وتطور. وفي هذا العالم أنشأنا ولعنا فـي اكـتـشـاف الـكـون وفيه أيضا نضع قدرنا بشيء من الألم ودون أي ضمانات. أهلا بكم في كوكب الأرض ذلك ا Fكان الذي تغطيه سماء الآزوت الزرقاء 24
  • 25. شواطىء المحيط الكونى ومحيطات ا Fاء السائل والغابات الباردة وا Fروج الناعمة V ذلك العالم الذي يزخر بالحياة. وهو في ا Fنظور الكوني وحسبما قلت من قبل V رائع الجمال ونادر ولكنه فريد من نوعه أيضا في الوقت الحاضر. ففي كل رحلاتنا عبر الفضاء والزمن لا يزال كوكبنا حتى الآن على الأقل الـعـالـم الـوحـيـد الـذي نعرف عنه أن ا Fادة الفضائية تحولت فيه إلى مادة حية وواعية V ولا بد أن يكون هناك الكثير من عوالم ™اثلة مبعثرة عبر الفضاء. لكن تفتيشنا عنها يبدأ من هنا ومن خلال ما يتراكم من معرفة لدى رجال جنسنا ونسائه £ جمعها بثمن كبير جدا خلال ملاي Q السن Q. ثم اننا نتمتع بامتياز العـيـش ب Q هؤلاء الناس الأذكياء والمحب Q للاطلاع وفي زمن يكافأ فيه السعي إلى ا Fعرفة عموما. وهكذا فان الكائنات البشريـة الـتـي ولـدت فـي الأصـل مـن النجوم وتسكن حاليا ولفترة ما عا Fا يدعى الأرض بدأت فعلا رحـلـتـهـا أو سفرها الطويل إلى مسقط رأسها الأصلي. إن اكتشاف كون الأرض عا Fا »صغيرا « كان قد £ شأنه شأن الكثير من الاكتشافات الإنسانية ا Fهمة في الشرق الأدنى الـقـد …. وفـي زمـن يـدعـوه بعض الناس القرن الثالث قبل ا Fيلاد V وفي أعظم عاصمة في ذلك العمـر التي هي مدينة الإسكندرية ا Fصرية V هنا عاش رجل اسمه إيراتوسثـيـنـس Eratosthenes) ) وقد دعاه أحد معـاصـريـه »بـيـتـا « وهـي الحـرف الـثـانـي مـن الأبجدية الإغريقية وأوضح أن إيراتوسـثـيـنـس كـان ثـانـي أفـضـل رجـل فـي العالم في كل شيء ولكن يبدو واضحا أن إيراتوسثينس كان الأول أو »الفا « في كل شيء تقريبا. وعموما فقد كان هذا الرجل فلكيا ومؤرخا وجغرافيا وفيلسوفا وشاعرا وناقدا مسرحيا وعالم رياضيات وتراوحت عناوين الكتب التي كتبها ب Q »علم الفلك « و »عن التحرر من الألم « وكان أيضا مدير مكتبة الأسكندرية الكبرى V حيث قرأ في أحد الأيام في كتاب من ورق البردي عن أن القضبان العمودية لا تلقي ظلالا في نقطة حدودية أمامية من منطقـة جنوب أسوان على مقربة من أول شلال لنهر النيل وقت الظهيرة من يوم ٢١ حزيران (يونيو) ففي يوم انقلاب الشمس الصيفي الذي هو أطول يوم في العام وإذ يقترب الوقت من منتصف النهار فان ظلال أعمدة ا Fعبد تقصـر شيئا فشيئا V ثم تختفي نهائيا في منتصف النـهـار و yـكـن عـنـدئـذ أن يـرى انعكاس الشمس في ا Fاء ا Fوجود في أسفل بئر عميقة ويصبح قرص الشمس 25
  • 26. الكون فوق الرأس oاما. كان yكن لأي شخص آخر أن يتجاهـل هـذه ا Fـلاحـظـة بـسـهـولـة V فـمـا أهمية القضبان والظلال والانعكاسات في الآبار ووضع الشمس بالـنـسـبـة إلى ا Fسائل التي نواجهها في حياتنا اليومية? ولكن إيراتوسثينس كان عا Fا وبالتالي فان تأملاته في هذه العموميات غيرت العالـم أو إنـهـا ‚ـعـنـى مـا صنعت العالم. وهكذا فإن حضور الذهن عند إيراتوسـثـيـنـس جـعـلـه يـقـوم بتجربة وان يلاحظ عمليا ما إذا كانت القضبان العمـوديـة لا تـلـقـي ظـلالا أيضأ في الأسكندرية في الوقت والتاريخ نفسيهما (الساعة ١٢ من يوم ٢١ حزيران). واكتشف أنها تلقي ظلالا خلافا Fا هو عليه الأمر في تلك ا Fنطقة من أسوان. سأل إيراتوسثينس نفسه كيف yكن لقضيب أن يلقي ظلا في الإسكندرية ولا يستطيع أن يفعل ذلك في اللحظة ذاتها في أسوان علما أن الإسكندرية تقع إلى الشمال من أسوان. ولنأخذ في الاعتبار خريطة مصر القد yة مع قضيب Q عمودي Q بطول واحد V أحدهما مغروز في الإسكندرية والآخر في أسوان ولنفترض أن كلا منهما في لحظة معينة لا يلقي ظلا البتة. يسـهـل oاما أن نفهم هذه الظاهرة ولو كانت الأرض مسطحة وستكـون الـشـمـس عندئذ فوق الرآس oاما. وإذا كان طولا ظلي القضيب Q متساوي Q فالأمر صحيح أيضا في أرض مسطحة حيث ستنحرف أشعة الـشـمـس بـالـزاويـة نفسها عن كل من القضيب Q. ولكن كيف yكن أن يوجد في الوقت ذاته ظل في الإسكندرية ولا يوجد ظل ™اثل في أسوان? إن الجواب الوحيد ا Fمكن حسب رأي إيراتوسثينس هو أن يكون سطح الأرض محدبا V والأكثر من ذلك هو أنه كلما ازداد التحدب أو الانحناء ازداد الفرق ب Q طولي الظل Q. والشمس بعيدة جدا لـدرجـة أن أشـعـتـهـا تـصـبـح متوازية عندما تصل إلى الأرض والقضبان ا Fوضوعة بزوايا مختلفة بالنسبة إلى أشعة الشمس ترمي ظلالا بأطوال مختلفة. وبالنسبة إلى الفرق ا Fلحوظ ب Q طولي الظل Q فان ا Fسافة ب Q الإسكندرية وأسوان يجب أن تكون زهاء سبع درجات على امتداد سطح الأرض. هذا يعني أنك إذا تخيلت القضيب Q ™تدين نحو الأسفل حتى مركز الأرض V فإنهما سيتقاطعان مشكل Q زاوية تساوي سبع درجات V وسبع درجات تساوي نحو جزء من خمس Q من محيط 26
  • 27. شواطىء المحيط الكونى الكـرة الأرضـيـة ا Fـسـاوي ٣٦٠ درجة وعرف ايـراتـوسـتـيـنـز أن ا Fـسـافـة بـ Q الأسكندرية وأسوان هي ٨٠٠ كيلومتر تقريبا لأنه استأجر رجلا لكي يقيسها بالخطوات واذا ضربنـا ٨٠٠ بالرقم ٥٠ نحصل على الرقـم ٤٠ ألف كيلومتر وهو محيط الكرة الأرضية ( ٣). وهذا هو الجواب الصحيح ولم تكن أدوات إيراتوسثينس سوى قضيب Q وعين Q وقدمي رجل ودماغ مفكر إضافـة إلـى الـرغـبـة فـي الـتـجـربـة. وقـد استطاع بوساطة هذه الأدوات أن يحسب محيط الكرة الأرضية بـخـطـأ لا يزيد على أجزاء قليلة با Fئة V وهو إنجاز ملحوظ قبل ألف Q ومئتي سنة. كان إيراتوسثينس أول شخص يقيس حجم الكرة الأرضية بدقة. كان عالم البحر الأبيض ا Fـتـوسـط مـشـهـورأ فـي ذلـك الـوقـت بـالـسـفـر البحري. وكانت الإسكندرية أكبر مرفأ بحري في العالم. ألـن تـغـريـك إذن معرفة أن الأرض هي كرة ذات قطر متواضع بالقيام برحلات استكشافية تحاول أن تتعرف فيها إلى أراض مجهولة. ور ‚ا تحاول أيضا أن تبحر حول الكوكب? وقبل أربعمئة سنة من إيراتوسثينس أبحر أسطول فينيـقـي حـول أفريقيا بأمر من فرعون مصر نيكو ( Necho ) ويحتمل أنهم انطلقوا في تلك الرحلة البحرية في مراكب مكشوفة من البحر الأحمر وداروا حول الشاطىء الشرقي لأفريقيا باتجاه المحيط الأطلسي V ثم عادوا عبـر الـبـحـر الأبـيـض ا Fتوسط. استمرت هذه الرحلة ثلاث سنوات أي الوقت نفسه الذي تحتاج إليه مركبة فوياجير الفضائية الحديثة لقطع ا Fسافة ب Q الأرض وزحل. وبعد اكتشاف إيراتوسثينس V حاول بحارة شجعان ومغامرون القيام بعدة رحلات بحرية كبرى V كانت مراكبهم صغيرة V ولم تكن لـديـهـم سـوى أدوات ملاحية بدائية فاستخدموا التخم Q وساروا ‚حاذاة الشواطىء كلمـا كـان ذلك ™كنا. كانوا يستطيعون تحديد خط العرض في المحيط اﻟﻤﺠهول V وان لم يستطيعوا تحديد خط الطول V وذلك عبر مراقبة الليل والـنـهـار ومـكـان مجموعات النجوم بالنسبة إلى الأفق ولا بد أن مجموعات النجوم ا Fألوفة كانت تبعث على الثقة في وسط محـيـط مـجـهـول V والـنـجـوم هـي أصـدقـاء ا Fكتشف Q عندما كانوا يسافرون في ا Fاضي على السفن البحرية في الأرضV والآن إذ يسافرون على السفن الفضائية في السماء. وبعد إيراتوسـثـيـنـس حاول بعض الناس أن يدور حوله الأرض لكن أحدا لم ينجح قبل مـاجـلان 27
  • 28. الكون فكم من قصص الجرأة وا Fغامرة كان ينبغي روايتها عندما قامر البحارون وا Fلاحون V وهم رجال العالم العمليون بحياتهـم انـطـلاقـا مـن الـريـاضـيـات التي أثبت عالم من الإسكندرية كروية الأرض بوساطتها? وفي زمن إيراتوسثينس أنشئت الكرات التي oثل الأرض كما ترى مـن الفضاء. وكان الصانعون عل درجة من الدقة بالنسبة إلى مـنـطـقـة الـبـحـر الأبيض ا Fتوسط ا Fكتشفة جيدا. لكن هذه الدقة كانت تقل أكثر فأكثر كلما ابتعد هؤلاء عن موطنهم. ومعرفتنا الحالية للفضـاء oـاثـل هـذه الـظـاهـرة ا Fزعجة والحتمية في آن. وقد كتب الجغرافي الإسكندري سترابو ( (Strabo في القرن الأول ا Fيلادي ما يلي: »لا يقول أولئك الذين عادوا من محاولات الدوران بحرا حول الأرض إنهم منـعـوا مـن ذلـك بـسـبـب قـارة اعـتـرضـتـهـم فالبحر بقي أمامهم مفتوحا oاما. لكنهم عادوا بسبب الافتقار إلى التصميم وندرة ا Fؤن.. وكان إيراتوسثيـنـس قـد قـال إنـه إذا لـم يـكـن اتـسـاع المحـيـط الأطلسي عائقا V فإننا نستطيع أن نعبر البحر بسهولة من ايبريا إلى الهند.. ومن المحتمل oاما أن يوجد في ا Fنطقة ا Fعتدلة الحرارة أرض أو أرضـان مسكونتان.. وفي الواقع فإذا (كان هذا الجزء من العالم) مسكونا فـسـوف يكون مسكونا برجال لا يشبهون الناس ا Fوجودين في منـاطـقـنـا ويـجـب أن ننظر إليه بوصفه عا Fا مسكونا آخر .« كان الناس بدأوا يغامرون V في كل معنى تقريبا V في السفر إلـى عـوالـم أخرى. وعموما فإن الاكتشاف اللاحق لـلـكـرة الأرضـيـة كـان جـهـدا عـا Fـيـا وشمل السفر من وإلى الص Q وبولينيزيا. وكانت الذروة هي اكتشاف أميركا من قبل كريستوفر كولومبوس ورحلات القرون القليلة التالية التي أكمـلـت الاكتشاف الجغرافي للأرض. كانت أول رحلة لكولومبـوس تـرتـبـط بـشـكـل مباشر بحسابات إيراتوسثينس V وقد أعجب كولومبوس ‚ا دعاه »مشـروع جزر الهند الغربية « الذي يهدف إلى الوصول إلى اليابان V والص VQ والهند ليس بالإبحار ‚حاذاة الشاطىء الأفريقي ثم الاتجاه شرقا V بل بالاقتحـام الجريء للمحيط الغربي اﻟﻤﺠهول أو كما قال إيراتوسثينس في تنبئه ا Fذهل عن »عبور البحر من إيبريا إلى الهند .« كان كولومبوس بائعا جوالا يبيع الخرائط القد yة وقارئا مواظبا للكتب الـتـي كـتـبـهـا الجـغـرافـيـون الـقـدمـاء أو تــروي قــصــص هــؤلاء ‚ــن فــيــهــم 28
  • 29. شواطىء المحيط الكونى إيراتوسثينس V وسترابو V وبطليموس إلا أنه كان ينبغي من أجل تنفيذ مشروع جزر الهند الغربية مع الحفاظ على حياة البحارة وسفنـهـم خـلال الـرحـلـة الطويلة أن تكون الأرض أصغر ™ا حسب إيراتوسثينس. ولذا لجأ كولومبوس إلى الغش في حساباته طبقا للتقييم الصحيـح لجـامـعـة سـالامـانـكـا. فـقـد استعمل أصغر محيط ™كـن لـلأرض وأطـول امـتـداد نـحـو الـشـرق لآسـيـا استطاع أن يجده في جميع الكتـب ا Fـوجـودة لـديـه ثـم بـالـغ حـتـى فـي هـذه القيم. ولو لم يكن الأميركيون على طريق كولومبوس لفشلت بعثته كليا. أصبحت الأرض مكتشفة كليا الآن ولم يعد ™كنـا أن نـكـتـشـف قـارات جديدة أو أماكن ضائعة ولكن التكنولوجيا التي سمـحـت لـنـا بـاكـتـشـاف أو سكن ا Fناطق الأبعد في الأرض هي التي ستسمح لنا الآن بأن نغادر كوكبنا ونغامر في الفضاء لكي نكتشف عوالم أخرى. واذ نغادر الأرض فاننا نصبح قـادريـن عــلــى رؤيــتــهــا مــن الأعــلــى. ونــرى شــكــلــهــا الــكــروي ذا الأبــعــاد الإيراتوسثينسية والصـور الـكـفـافـيـة ( ٤) للقارات التي تثبت أن الـكـثـيـر مـن صانعي الخرائط القدماء كانوا على درجة ملحوظة مـن ا Fـهـارة V فـكـم كـان هذا ا Fنظر سيسعد إيراتوسثينس وجغرافيي الإسكندرية الآخرين? كانت الإسكندريـة خـلال ٦٠٠ عام التي بدأت منذ عـام ٣٠٠ قبل ا Fيـلاد تقريبا هي ا Fكان الذي انطلقت فيه الكائنات البشرية في ا Fغامرة الفكرية التي قادتنا الآن إلى تخوم الفضاء. الا أنه لم يبق شـيء yـكـن مـشـاهـدتـه والإحساس به من تلك ا Fدينة الرخامية اﻟﻤﺠيدة V فالظلم والخوف من التعلم أزالا كل شيء تقريبا من ذاكرة مدينة الإسكندرية القد yة.. كـان سـكـانـهـا يشكلون خليطا عجيبا من الناس. فالجنود ا Fقدونيون ولاحقا الجنود الرومان والكهنة ا Fصريون والارستقراطيون الإغريق والبحارة الفينيقيـون والـتـجـار اليهود والقادمون من الهند وأفريقيا الصحراوية V جميعهـم عـاشـوا-مـاعـدا العدد الكبير من السكان العبيد-في انسجام واحـتـرام مـتـبـادل فـي مـعـظـم فترة العظمة التي عاشتها هذه ا Fدينة. وضع أسس ا Fدينة الإسكندر الكبير وبناها حاشيتـه وجـنـوده وحـراسـه السابقون وشجع الإسكندر على احترام الثقافات الأجنبية وعلى الحصول على ا Fعرفة بعقول مفتوحة ويقال إنه قام حسب التقاليد-وليس مهما جدا أن يكون ذلك قد حدث فعلا-بالهبوط تحت سطح البحـر الأحـمـر فـي أول 29
  • 30. الكون جهاز غطس في العالم كان على شكل ناقوس. وشجع جنرالاته وجنوده على تزوج النساء الفارسيات والهنديات واحترام آلهة الشعوب الأخـرى. وجـمـع حيوانات غريبة ‚ا فيها الفيل لأرسطو معلـمـه. وقـد بـنـيـت مـديـنـتـه عـلـى مساحة كبيرة لكي تكون مركزا عا Fيا للتجارة والثقافة والـتـعـلـيـم وأقـيـمـت فيها شوارع واسعة بلغ عرضها ٣٠ مترا ومبان و oاثيل رائعة وقبر الإسكندر التذكاري ومنارة ضخمة لإرشاد السفن عدت إحدى العجـائـب الـسـبـع فـي العالم القد …. لكن ا Fعجزة الكبرى في الإسكندرية هي مكتبتهـا وا Fـتـحـف ا Fلحق بها (وبالتعبير الحرفي تلك ا Fؤسسة ا Fعدة لاختصـاصـات ا Fـوزيـات التسع) ( ٥). ولم يبق ومن هذه ا Fكتبة الأسطورية الآن سوى القبو الـشـديـد الرطوبة ا Fهمل وهو ملحق ا Fكتبة ا Fعروف بالسيرابيوم والذي استخدم في وقت ما معبدا. ثم كرس لاحقا للموضوعات ا Fعرفـيـة V ور ‚ـا لـم يـبـق مـنـه حاليا سوى رفوف باليه. ومع ذلـك فـان هـذا ا Fـكـان كـان فـي يـوم مـا دمـاغ وفخر أعظم مدينة على كوكب الأرض وأول معهد أبحاث حقيقي في تاريخ العالم. وقد درس علماء ا Fكتبة الكون كله (إن كلمة الكون التي هي «Cosmos» في اللغات الأجنبية كالفرنسية والإنكليزية والروسية.. إلخ V هي كلمة إغريقية تعني »نظام الكون «). وهـي بـشـكـل مـا عـكـس كـلـمـة «Chaos» أي الاختـلاط والتشوش أو ‚عنى آخر حالة الكون اﻟﻤﺨتلطة قبـل تـكـونـه. وهـي تـتـضـمـن العلاقة ا Fتبادلة العميقة لكل الأشياء وتبعث الرهبة من الطريقة الدقيـقـة وا Fاهرة التي جمع فيها الكون بالشكل الراهـن. وهـنـا عـمـلـت جـمـاعـة مـن العلماء في اكتشاف الفيزياء والأدب والطب وعلم الفلك والجغرافيا والفلسفة والرياضيات والبيولوجيا والهندسـة. هـنـا نـشـأ الـعـلـم والـثـقـافـة وازدهـرت العبقرية. ففي مكتبة الإسكندرية جمع جنسنا البشري معارف العالم كلها بشكل جدي ومنتظم. وبـالإضـافـة إلـى إيـراتـوسـثـيـنـس كـان هـنـاك عـالـم الـفـلـك هـيــبــركــوس Hipparchus) ) الذي وضع خرائط مجموعات النجـوم وقـدر إضـاءة الـنـجـوم ذاتها. وأقليدس الذي وضع أسس علم الهندسـة وقـالـت Fـلـيـكـه الـذي كـان يجهد في حل مسألة رياضية صعبة V لا يوجد طريق ملكي إلى علم الهندسة. وديونيسيوس ( Dionysius ) من تريس ( Thrace ) وهو الرجل الذي حدد أجزاء الكلام وفعل في دراسة اللغة ما فعله أقليدس في علم الهندسة. وهيروفيلوس 30
  • 31. شواطىء المحيط الكونى Herophilus) ) الفيزيولوجي الذي اثبت أن الـدمـاغ ولـيـس الـقـلـب هـو مـركـز الذكاء V وهيرون الأسكـنـدري مـخـتـرع الـقـطـارات ذات الـتـروس (الـدوالـيـب ا Fسننة) والمحركات البخارية-ومؤلف كتاب الأ oتة ( Automata ) الذي هو أول كتاب عن أجهزة الروبوت (الإنسان الآلـي). وأبـولـونـيـوس ( Apollonius ) مـن بيرغـا ( Perga ) عالم الرياضيات الذي أشهر أو كـشـف أشـكـال الـقـطـوع ( ٦) (جمع قطع) اﻟﻤﺨروطية كالقطع الناقص والقطع ا Fكافىء والقطـع الـزائـد V وهي ا Fنحنيات التي نعرف الآن انها تشكـل مـسـارات الـكـواكـب وا Fـذنـبـات والنجوم V وأرخميدس الذي هو أكبر عبقري ميكانيكي حتى ليوناردو دافينشي V وعالم الفلك والجغرافيا بطليموس الذي جمع الكثير ™ا يـعـد الآن نـظـام وطرائق وافتراضات علم الفلك الزائف V علما أن نظريتـه عـن كـون الأرض مركزا للكون بقي معمولا بها مدة ١٥٠٠ سنة V الأمر الذي يعد مؤشرا إلى أن القدرات العلمية ليست ضمانا لعدم الوقوع في الخطأ. وب Q هؤلاء الناس العظام وجدت امرأة عظيمة هي هيباتيا ( Hypatia ) عا Fة الرياضيات والفلك V وهي آخر ضوء في مكتبة الأسكندرية V إذ إن استشهادها يرتـبـط بـتـدمـيـر هذه ا Fكتبة بعد سبعة قرون من تأسيسها. اهتم ملوك مصر الإغريقيون الذين جاؤوا بعد الإسكندر بشكـل جـدي بالتعليم فدعموا لقرون الأبحاث وحافظوا على خلق جو ملائم وعملي في ا Fكتبة لأفضل عقول ذلك العصر. واحتوت هذه ا Fكتبة على عشر قـاعـات كبيرة للأبحاث خصص كل منها Fوضوع منفـصـل V وضـمـت نـوافـيـر مـائـيـة وأعمدة وحدائق نباتية وحديقة حيوانات وغرفا لتشريح الجثـث ومـرصـدا وقاعة كبيرة للطعام كانت تستخدم في أوقات الفراغ للمناقشة الانتقـاديـة للأفكار ا Fطروحة. كان قلب ا Fكتبة هو مجموعة الكتب ا Fوجودة فيها. وعمد ا Fنظمون إلى جمع ثقافات العالم ولغاته كلها. وكانوا يرسلون وكلاءهم إلى الخارج لشراء مجموعات الكتب ومخطوطات الدراسة أو ا Fراجعة. وكانت السفن التجارية التي ترسو في ميناء الإسكندرية تفتش مـن قـبـل الـشـرطـة لـيـس مـن أجـل ا Fهربات بل الكتب V إذ كانت لفائف ورد البردي تستعار لكي تنسخ ثم تعـاد إلى أصحابها ويصعب تقدير ما كانت تحتويه هذه ا Fكتبة V لكن يبدو محتملا أنها احتوت على نصف مليون مجـلـد كـل مـنـهـا عـبـارة عـن لـفـافـة مـن ورق 31
  • 32. الكون البردي مكتوبة بخط اليد فماذا حدث لكل هذه الكتـب? عـفـا الـزمـن عـلـى الحضارة الكلاسكية التي أنتجتها ودمرت ا Fكتبة ذاتها عن عـمـد ولـم يـنـج سوي القليل من محتوياتها إلى جانب أجزاء متناثرة من الكتب تثير الشفقة والحزن. وكم تبعث هذه الأجزاء والنتف الباقية من الألم العميق في النفوس. نحن نعلم على سبيل ا Fثال أنه كان يوجد على رفوف ا Fكـتـبـة كـتـاب لـعـالـم الفلك أريسطاركوس من ساموس ( Aristarchus Of Samos ) الذي أكد أن الأرض هي أحد الكواكب وتدور مثلها حول الشمس وأن النجوم موجودة على مسافات كبيرة جدا منا V وأن كلا من هذه الاستنتاجات صحيح oاما V لكن كان علينا أن ننتظر زهاء ألفي سنة لكي نكتشف هذه الحقائق مرة أخرى وان ضاعفنا إحساسنا بخسارة هذا ا Fؤلف لاريستارتشوس مئة ألف مرة عند ذاك نبدأ بتقدير عظمة إنجاز هذه الحضارة الكلاسيكية ومأساة تدميرها. لقد تجاوزنا الآن وإلى حد بعيد العلم الذي عرفه العالم القد V… ولكن توجد ثغرات لا yكن ردمها في معرفتنا التاريخية V فتصور أي خفايـا عـن ماضينا كان yكن كشف النقاب عنها بوساطة بطاقـة اسـتـعـارة تـقـدم إلـى مكتبة الإسكندرية ونحن نعلم بفقدان ثلاثة مجلدات عن تاريخ العالم كـان قد كتبها كاهن بابلي اسمه بيروسوس ( Berossus ) الأول منها يعالج ا Fرحلة منذ بداية الخليقة حتى الطوفان وهي فترة امتدت ٤٣٢ ألف سنة أي أطول ‚ئة مرة من تقو … العهد القد …. فما أشد توقنا إلى أن نـعـرف مـاذا كـان فيه!. عرف القدماء أن عمر العالم قد … جدا. وسعوا إلى أن يعرفوا شيئا عن ا Fاضي البعيد ونحن نعرف الآن أن الكون أقدم بكثـيـر ™ـا تـصـور هـؤلاء. وقد قمنا بدراسة الكون في الفضاء ورأينا أننا نعيش على »ذرة من الغبار « تدور حول نجم رتيب في أبعد زاوية من مجرة مظلمة. واذا كنا نحن ذرة في اتساع الفضاء فاننا نحتل أيضا لحظة من امتداد العصور. ونـعـلـم الآن أن كوننا في بعثه الحديث على الأقل يبلغ من العمر نحو ١٥ أو ٢٠ مليار سنة V وهذا الزمن محسوب منذ ذلك الحدث التفجيري الاستثنائي الذي يعـرف بالانفجار الكبـيـر ( The Big Bang ) وفي بداية الكون لم تكن هنـاك مـجـرات ونجوم أو كواكب أو حياة أو حضارات V بل مجرد كرة نارية مشعة منتظـمـة الشكل oلأ الفضاء كله. وان الانتقال من حالة تشوش اختلاط الانـفـجـار 32
  • 33. شواطىء المحيط الكونى الكبير إلى حالة الكون ا Fنتظم التي بدأنا نعرفها V هو التحول الأشد رعـبـا للمادة والطاقة الذي كان لنا الحظ في القاء نظرة خاطفة عليـه. وإلـى أن نجد كائنات أكثر ذكاء منا في مكان آخر V فإننا نظل الظاهرة الأهم في كل التحولات التي نجمت عن هذا الانفجار الكبير V والأحفاد البعيدين جدا له الذين تقع على عاتقهم مهمة فهم الكون الذي نشأنا منه V والعمل بـالـتـالـي على تحويله. 33
  • 35. صوت واحد في الترنيمه الكونية 35 صوت واحد في الترنيمة الكونية كنت طيلة حياتي أشعر بـالحـيـرة إزاء احـتـمـال وجود الحياة في أماكن أخرى خارج كوكبنا الأرضي. و ¥ »تتألف هذه الحياة إن وجدت? فالأشياء الحية في كـوكـبـنـا مـؤلـفـة مـن جـزيـئـات عـضـويـة أو بـنـى ميكروسكـوبـيـة مـعـقـدة يـؤدي الـكـربـون فـيـهـا دورأ رئيسيا. وقد مر زمن قبل الحياة ذاتها كانت الأرض فيه عارية ومهجورة oاما. ولكن كوكبنا يزخر الآن بالحياة V فكيف حدث ذلك? وكيف صنعت الجزيئات العضوية ذات الأساس الكربوني في غياب الحياة? ثم كـيـف نـشـأت أولـى ا Fواد الحية? وكيف تطـورت الـكـائـنـات الحـيـة إلـى وضعها الحالي الدقيق وا Fعقد V الذي œـثـلـه نـحـن »الجنس البشري «القادر على كشف سر نشوئه? وهل توجد حياة أيضا على ذلك العدد الذي لا يحصى من الكواكب الأخرى الـتـي yـكـن أن تـدور حول الشموس الأخرى? وهل الحيـاة خـارج كـوكـب الأرض V إذا وجدت V تعتمد شأنها شأن الحياة فـي هذا الكوكب على الجزيئات العـضـويـة ذاتـهـا? هـل الكائنات الحية في العوالم الأخرى تشبه مثيلاتها 2
  • 36. الكون على الأرض V أم أنها مختلفة عنها إلى حد مذهل V لأنها مضطرة إلى التكيف مع بيئات أخرى? وماذا yكن أن يكون هناك? فطبيعة الحياة على الأرض V والبحث عن الحياة في أماكن أخرى V هما وجهان للسؤال ذاته ا Fتمثل بالبحث عمن نكون نحن. توجد في الظلام الدامس ب Q النجوم غـيـوم مـن الـغـاز والـغـبـار وا Fـادة العضوية V وقد أمكن كشف عشرات الأنواع اﻟﻤﺨتلفة من الجزيئات العضوية بوساطة التلسكوبات اللاسلكية. غزارة هذه الجزيئات تشير إلى وجود مادة الحياة في كل مكان V ور ‚ا يكون تطور الحياة مع مرور زمـن كـاف ضـرورة كونية حتمية أو أمرا لا مفر منه. وقد لا تنشأ الحياة أبدا في بعض مليارات الكواكب ا Fوجودة في مجرة درب اللبانة V بينما yكن أن تنشأ وتنقرض في بعضها الآخر V أو قد لا تتطور هذه الحياة إلى أكثر من أشكالها البسيطة. وفي ا Fقابل yكن أن تنشأ وتتطور حياة ذكية V وحضارات أكثر تـقـدمـا مـن حضارتنا في جزء صغير من العوالم. وقد يلاحظ أحدهم V أحيانا ذلك التوافق أو تـلـك ا Fـصـادفـة الـسـعـيـدة التي جعلت الأرض ملائمة oاما للحياة فجمعت ب Q الطقس ا Fعتدل V وا Fاء السائل V والجو الأكسجيني وغير ذلك. ولكن ذلك جزئيا على الأقل V خلـط ب Q السبب والنتيجة. فنحن V سكان هذه الأرض V متكيفون بشكل مثالي مع بيئة كوكبنا لأننا نشأنا فيها. ونحن نتحدر من العضويات التي قامت بعملها جيدا V وبالتالي فإن العضويات التي تتطور في عالم مختلـف oـامـا سـوف تغني أنشودتها أيضا. الحياة على الأرض هي على علاقة وثيقة فيما بينها. فإن لدينا كيمياء عضوية مشتركة وإرثا تطوريا مشتركا. ونتيجة لذلك فإن مجال عمل علمائنا البيولوجي Q محدود جدا V فهم يدرسون نوعا واحدا فقط من البـيـولـوجـيـا (علم الحياة) V أي موضوعا واحدا V ووحيدا V في موسيقى الحياة. فهل هذا اللحن الضعيف والهزيل هو الصوت الوحيد في تلك ا Fسافات التي يقطعها الضوء في آلاف السن Q? أم أن ثمة نوعا آخر من الأصـوات الـكـونـيـة ذات الألحان العادية V وا Fغايرة V وا Fتنافرة V وا Fنسجمة V وا Fشكلة Fليارات الأنغام التي تعزف موسيقى الحياة في اﻟﻤﺠرة? اسمحوا لي أن أروي لكم قصة عن فقرة صغيرة في موسيـقـى الحـيـاة 36
  • 37. صوت واحد في الترنيمه الكونية على الأرض V ففي عـام ١١٨٥ كان إمبراطور اليابان صـبـيـاً في السابعة مـن عمـره اسـمـه أنـتـوكـي V وكـان الـزعـيـم الاسـمـي لـفـئـة الـسـامـوراي ا Fـعـروفـة »بالهايكي «التـي خـاضـت حـربـاً دموية طويلة مع فئـة سـامـوراي أخـرى هـي »الجانجي «« . كان كل من هات Q الفئت Q يدعي أن العرش الإمبراطوري هـو حقه الوراثي. ثم وقعت ا Fعركة البحرية الحاسمة بينهما في دانو-أورا فـي بحر الجزر اليابانية في ٢٤ نيسان (أبريل) من عام ١١٨٥ . وكان الإمبراطور نفسه على م ¦ إحدى السفن. وإذ كان الهايكيون أقل عددا V وأضعف مناورة V فقد قتل العديد منهم V بينما رمى الناجون أنفسهم وبأعداد كبيرة في البحر وغرقوا. قررت السيدة ني ( Nii ) جدة الإمبراطور أنه لا يجوز أن تؤسر هي وحفيدها من قبل الخصوم. وما حدث فيما بعد ترويه قصة الهايكي بالشكل التالي: »كان الإمبراطور قد بلغ السابعة من عمـره آنـذاك V ولـكـن مـظـهـره كـان يوحي بأنه أكبر من ذلك. كان قريبا إلى القلب لدرجة بدا معها كأنه مصدر إشعاع متألق V كما أن شعره الطويل الأسود كان يتدلى على كتفيه V وبنظرة مليئة با Fفاجأة والقـلـق رسـمـت عـلـى وجـهـه V سـأل الـسـيـدة »نـي «: إلى أيـن ستأخذينني يا جدتي? «« استدارت هذه السيدة إلى السلطان الصغير V بينما كانت الدموع تتدفق على وجنتيها V وواسته مداعبة شعره الطويل ا Fنسدل على ثوبه ا Fلـون. وإذ انهارت دموعه حتى كادت oنع الرؤية عنه V شبك إحدى يديه الصغيـرتـ Q الجميلت Q بالأخرى V واستـدار أولا إلـى الـشـرق لـيـقـول كـلـمـات الـوداع لإلـه الآيس ( Ise ) V ثم إلى الغرب ليكرر كلـمـات الـنـمـبـوتـسـو ( Nembutsu ) (صـلاة للاميدا بوذا). أخذته السيدة »ني «ب Q ذراعيها بقوة V وما أن نطقت الكلمات الأخيرة: »في أعماق المحيط ™لكتنا «حتى أغرقت نفسها مع حفيدها تحت الأمواج. دمر أسطول الهايكي ا Fعد للمعركة كله. ولم ينج سوى ٤٣ امرأة وأجبرت هذه النسوة على بيع الأزهار والعطور الأخرى إلى صيادي الأسمـاك عـلـى مقربة من ميدان ا Fعركة حتى يح Q موعد المحـاكـمـة الإمـبـراطـوريـة. وقـد اختفى الهايكيون تقريباً من التاريخ. ولكن شرذمة من النساء اللواتي نجون من ا Fعركة والمحكمة V وأحفادهن الذين حملت بهم أمهاتهم بنتيجة علاقتهن 37
  • 38. الكون بصيادي السمك V أصبحت تحتفل بذكرى هذه ا Fعركة. يتم هذا الاحـتـفـال كل سنة في ٢٤ نيسان (أبريل) V ولا يزال معمولا به حتى الآن. وهكـذا فـإن صيادي الأسماك الذين هم أحفاد الهايكي يرتدون قبعات سوداء من القنب الهندي V ويتقدمون إلى ا Fقبرة التي تضم قبر الإمبراطور الذي غرق V وهناك يشاهدون oثيلية تعرض الأحداث التي تلت معركة دانو-أورا V وظل النـاس لقرون عدة يتخيلون أنهم يستطيعون رؤية أشباح جيوش السـامـوراي وهـي تسعى عبثاً إلى نزح ماء البحر بغية تنظيفه من الدم والهز yة والذل. يقول صيادو السمك أن رجال الساموراي الهايكي Q لا يزالون يجـولـون في قاع ببحر الجزر اليابانية حتى الآن V ولكن بشكل سرطانات (سلطعونات). ويوجد هناك على سرطانات ذات علامات غريبة على ظهـورهـا V وأشـكـال ونقوش تشبه V بشكل غير مريح V وجه الساموراي. ولا تؤكل هذه السرطانات إذا اصطيدت بل تعاد إلى البحر احتراما لذكرى الأحداث الكئيبة في دانو أورا. تثير هذه القصة مشكلة ™تعة V فكيف yـكـن أن يـحـفـر وجـه المحـارب على الدرع الواقي الذي يغطي جسم الـسـرطـان? يـبـدو أن الجـواب هـو أن الناس هم الذين فعلوا ذلك ثم انتقلت النماذج ا Fوجـودة عـلـى هـذه الـدروع بالوراثة. ولكن يوجد ب Q السرطانات V شأنها شأن الناس V الكثير من الخطوط ا Fوروثة اﻟﻤﺨتلفة. ولنفرض أنه ظهر با Fصادفة ب Q الأسلاف البعيدين لهذا السرطان œوذج يشبه V وإن قليلا وجه إنسان ما. فحتى قبل معـركـة دانـو- أورا كان صيادو الأسماك سيرفضون أكل مثل هذا السرطان V وإذ يعيدونه إلى البحـر فـإ œـا يـطـلـقـون الـعـنـان لـعـمـلـيـة تـطـور مـعـيـنـة: وإذا كـنـت أنـت سرطانا Vوكان درعك الواقي عاديا V فإن الناس سوف يأكلونك وبالتالي V فإن نسلك سيقل. أما إذا درعك الواقي شبيها وإن قليلا بوجه إنسان ما V فسوف يعيدونك إلى البحر V وبالتالي سيزداد نسلك. وهكذا كان للسرطانات ميزة تكاثر محسوس في النماذج ا Fوجودة على دروعهم. ومع تتالي الأجيال سواء فيما يخص السرطانات أو صيادي الأسماك V فإن تـلـك الـسـرطـانـات ذات النماذج التي تشبه وجه الساموراي نجت من ا Fوت بنسبة أكثر من سواها V وفي نهاية ا Fطاف لم يعد هناك سرطانات تشبه وجه تحمل وجه إنسان V أو وجه إنسان ياباني V ولكن وجدت سرطانات تحمل وجه الساموراي الشرس 38
  • 39. صوت واحد في الترنيمه الكونية والعابس. ولم يكن لذلك كله علاقة ‚ا تريده السرطانات. فالانتقاء مفروض من الخارج V وكلما ازداد شبهك بالساموراي أصبح احـتـمـال نجـاتـك أكـبـر V وفي نهاية ا Fطاف يصبح هناك عدد كبير جدا من سرطانات الساموراي. تسمى هذه العملية الانتقاء الاصطناعي. وقد نفذت V في حالة السرطان الهايكي V بشكل غير مقصود من قبل صيادي الأسماك V وبالتأكيـد دون أي تفكير جدي من قبل السرطانات. ولكن البشر اختاروا عن عمد تلك النباتات والحيوانات التي يجب أن تعيـش V وتـلـك الـتـي يـجـب أن oـوت خـلال آلاف السن Q. ونحن محاطون منذ الطفولة بحيوانات حقل وأخرى منزلية مألوفة وفواكه وأشجار وخضراوات معينة فمن أين كل هذه? وهل كانت في يوم ما تعيش حـرّة في البراري V ثم استجلبت لتحيا حياة أقل إجهادا فـي ا Fـزارع? الجواب هو النفي V والحقيقة هي شيء مختلف oاما. فنحن الذين صنعنا أغلب هذه النباتات والحيوانات. لم يكن يوجد قبل عشرة آلاف سنة بقر داجن أو كلاب صيد أو عرانيس 39 ذرة كبيرة. وعندما دجّنا هذه الحيوانات والنباتات علما أن بعض هذه الحيوانـات كانت تبدو مختلفة جدا أحيانا عما أصبحت عليه V فقد سيطرنا على عملية توالدها V وأكدنا ضرورة التركـيـز عـلـى أنـواع مـعـيـنـة oـلـك الخـواص الـتـي اعتبرناها مرغوبة V وبالتالي عملنا على اعطـائـهـا الأفـضـلـيـة فـي الـتـوالـد. وهكذا فعندما كنا نرغب في امتلاك كلب يساعدنا في حماية الأغنام V فقد انتقينا سلالة ذكية ومطيعة من الكلاب V ولديها موهبة سابقة في الاهتمام بالقطيع V و yكن الاستفادة منها في الصيد الجماعي. وكذلك فـإن اقـتـنـاء ذلك العدد الكبير من الحيوانات اللبونة جاء نتيجة لحاجة الناس إلى الحليب والج §. أما الذرة V والصفراء منها خاصة V فقد جعلت عـلـى امـتـداد حـيـاة عشرة آلاف جيل V أطيب مذاقا V وأكثر فائدة من الناحية الغذائية ™ا كانت في السابق V وفي الواقع V فقد تغيرت لدرجة لا yكن معها أن تتـكـاثـر دون تدخل الإنسان. إن جوهر الانتقاء الاصطناعي V بها يتعلق بالسرطانات الهايكي V والكلب V والبقرة V وعرنوس الذرة V هو كون الكثير من السمات الجسمية والسلوكـيـة للنباتات والحيوانات موروثا V فهي تتوالد فعلا ولكن الناس يشجعون V لأسباب
  • 40. الكون شتى V تكاثر بعض أنواعها V ولا يشجعون تكاثر البعض الآخر منها V ثم تتكاثر الأنواع ا Fنتقاة وتصبح متوافرة بكثرة V بينـمـا تـصـبـح الأنـواع الأخـرى نـادرة ور ‚ا تنقرض. ولكن إذا كـان الـنـاس قـادريـن عـلـى تـولـيـد أنـواع جـديـدة مـن الـنـبـاتـات والحيوانات V ألا يجدر بالطبيعة أن تفعل أيضا هذه العمليـة الأخـيـرة الـتـي تعرف بالانتقاء الطبيعي. أما كون الحياة قد تغيرت بشكل جوهري عبر الدهور V فهو أمر واضح oاما في التغيرات التي صنعناها نحن في الحـيـوانـات الـبـريـة والـنـبـاتـات خلال فترات قصيرة من وجود البشر على الأرض. وفي الدلائل التي نجدها في الأحافير( Fossil ) V فسجل هذه الأخيرة يحدثنا بشكل لا غموض فيه عن مخلوقات وجدت في فترة ما بأعداد كبيرة جدا V لكنها اختفت الآن كـلـيـا. وعموما فإن عدد أنواع النباتات والكائنات الحية التي انقرضت من الأرض خلال تاريخها الطويل هو أكبر بكثير ™ا بقي منها الآن. وأن ما بـقـي هـو النماذج النهائية أو الأخيرة لتطورها. وحدثت التغيرات الوراثية الناجمة عن التدج Q بسرعة كبيرة. فالأرنب لم يدجن حتـى بـدايـة الـقـرون الـوسـطـى (جـرى تـولـيـده مـن قـبـل الـرهـبـان الفرنسي Q الذين ظنوا أن النماذج الجـديـدة سـتـكـون أنـواعـا مـن الـسـمـك V وبالتالي yكن استثناؤها من اللحوم المحرم أكلهـا فـي بـعـض أيـام الـتـقـو … الكنسي). والقهوة دجنت في القرن الخامس عشر V بينما لم يدجن الشوندر السكري إلا في القرن التاسع عشر V أما ا Fنك وهو حيوان ثديي لاحم فـلا يزال في ا Fراحل الأولى من التدج VQ وفي أقل من عشرة آلاف سنة استطاع التدج Q زيادة وزن الصوف الذي يغطي جسم الغنم من أقل من كيلوغـرام واحد الى عشرة أو عشرين كيلوغراما V كما استطاع زيـادة حـجـم الحـلـيـب الذي تعطيه بقرة واحدة خلال فترة الرضاعة من بضع مئات من السنتمترات ا Fكعبة إلى مليون سنتمتر مكعب. وإذا استـطـاع الانـتـقـاء الاصـطـنـاعـي أن يحقق هذه التغييرات الرئيسية في فتـرة زمـنـيـة قـصـيـرة V فـمـاذا يـجـب أن يستطيع فعله الانتقاء الطبيعي الذي امتد عمله خـلال مـلـيـارات الـسـنـ Q? والجواب هو كل هذا الجمال والتنوع في العالم البيولـوجـي. فـالـتـطـور هـو حقيقة V وليس مجرد نظرية. 40